للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا تُوقَف قضيَّة سهلةَ في مَحلِّها، وتُستَصحَبُ عموماتُ الأدلَّة في عدمِ تحريمِ رضاعِ الكبير، ويُثبَتُ لعائشةَ الأجرُ الواحد لاجتهادِها، والله راضٍ عنها.

أمَّا دعوى المُعترضِ إذنَ الحديثِ لمكاشفةِ عوراتِ النِّساء .. إلخ؛ فجواب ذلك أن يُقال له:

لا يلزم من إرضاعِ سهلة رضي الله عنها سالمًا أن يكون بإلقامِ الثَّديِ -كما وَلَه إليه فهمُ المُعترِض- وذلك لأنَّ الرَّضاع عندهم يحصُل التَّحريمُ به بأيِّ وَسيلةٍ يصِلُ فيها لَبَن المُرضِعةِ إلى جَوفِ المُرتضِع، «سواء كانَ بشُربٍ، أو أكلٍ بأيِّ صفةٍ كان، حتَّى الوَجور (١)، والسَّعوط (٢)، والثَّرد (٣)، والطَّبخ، وغير ذلك، إذا وَقع ذلك بالشَّرطِ المذكورِ مِن العَدد، لأنَّ ذلك يطردُ الجوعَ» (٤)، وبذا أناطَ النَّبي صلى الله عليه وسلم حكمَ التَّحريمِ، كما ما مرَّ في حديثِ أمِّ سلمة: «لا رضاع إلَّا ما فَتَق الأمعاء»، وحديث عائشة: «إنَّما الرَّضاعة مِن المَجاعة».

يقول القاضي عياض في هذين الحديثين:

«تضَمَّن الردَّ على داود في قوله: لا يحرِّم الرَّضاع حتَّى يلتقمَ الثَّديَ، ورأى أنَّ قوله سبحانه وتعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] إنَّما ينطبق على مُلتقِم الثَّدي، وقد نبَّه صلى الله عليه وسلم على اعتبارِ ما فَتَق الأمعاء، وهذا يوجَد في اللَّبن الواصلِ إلى الجوفِ صبًّا في الحلق، أو الْتِقامًا للثَّدي، ولعلَّه هكذا كان رضاع سالم، يصبُّه في حلقِه، دون مسِّه ببعضِ أعضائِه ثديَ امرأةٍ أجنبيَّة» (٥).


(١) الوَجور: ما يُصبُّ في الحلق صبًّا،» انظر «الفتح» (٨/ ١٤٧).
(٢) السَّعوط: ما يُجعل في الأنفِ مِن الأدوية ونحوها، انظر «هُدى السَّاري» (١/ ١٣٢).
(٣) الثَّرد: الهَشْم، ومنه قيل لما يُهشم مِن الخبز ويُبَلُّ بماء القِدرِ ونحوِه: ثَريدة، انظر «لسان العرب» (٣/ ١٠٢).
(٤) «فتح الباري» لابن حجر (٩/ ١٤٨).
(٥) «إكمال المعلم» (٤/ ٦٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>