للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتزوَّج أيضًا في الجاهليَّة أمَّ رومان بنت عامر .. فوَلدت له عبد الرَّحمن وعائشة.

فكلُّ هؤلاء الأربعة مِن أولادِه، وُلِدُوا مِن زَوْجَتيه اللَّتين سمَّيناهما في الجاهليَّة.

وتزوَّج في الإسلام أسماء بنت عُميس، وكانت قبله عند جعفر بن أبي طالب .. فوَلَدت له محمَّد بن أبي بكر .. وتزوَّج أيضًا في الإسلام حبيبة بنت خارجة .. فوَلَدت له بعد وفاتِه جارية سُمِّيت أمَّ كلثوم» (١).

قلت: فبَيِّنٌ جدًّا مِن كلام ابن جريرٍ أنَّ الجارَ والمجرورَ في قولِه «في الجاهليَّة» مُتعلِّق بالأزواجِ (٢)، لا بالأولاد! وذلك أنَّ كلامَ الطَّبري مَسوق أصلًا لتَمييزِ زوجاتِ أبي بكرٍ إلى مَنْ كُنَّ له في الجاهليَّة، ومَنْ كُنَّ له في الإسلام، لم يُرِد بكلامِه البتَّة تعريجًا على ميلادِ أبناءِه! ولو كان المُراد من كلامِ الطَّبريُّ تعلُّقَ الجار والمجرور «في الجاهليَّة» بأولادِ أبي بكر الأُوَل، لكان الأوْلَى له والأفصح -وهو الفصيح النَّصيح- أن يقول: « .. فكلُّ هؤلاء الأربعة مِن أولادِه وُلِدُوا في الجاهليَّة مِن زَوجتيه اللَّتين سمَّيناهما».

ولِم نذهب بعيدًا؟! ألا يعلَمُ (البِحيريُّ) كونَ ابن جريرٍ مِمَّن يقرِّر زواجَ عائشة بالنَّبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ستِّ سنين -كما أشرنا إليه مِن قبلُ-، ولازم ذلك عند الطَّبري: أنَّها وُلِدت بعد البعثة النَّبوية بأربع سنوات، لا في الجاهليَّة كما يدَّعيه هذا المُعترض المُستدِلُّ بالطَّبري!

هذا لتعلمَ جُرْمَ مَن يستدِلُّ بكلام إمامٍ مُحتمِلِ الدَّلالةِ على مسألةٍ يُريد تقريرَها، معرضًا عن نَصٍّ آخر له قطعيِّ الدَّلالة في المسألةِ نفسِها.


(١) «تاريخ الطبري» (٣/ ٤٢٥).
(٢) والأصل في اللُّغة ثبوت التَّعلُّق لأقربِ مَذكور، رفعًا لأيِّ اِلْتباسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>