للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا دعوى المعترضِ في شُبهتِه الثَّالثة: أنَّ عائشة رضي الله عنها ذكرت أنَّها لم تعقِل أبويها إلَّا وهما يَدينان الدِّين قبل هجرة الحبشة، وأنَّها عقلت وقتها زيارات النَّبي صلى الله عليه وسلم لبيتهم، والهجرة إلى الحبشة كانت في العام الخامس مِن البِعثة .. إلخ

فجواب ذلك أن يُقال:

نَصُّ كلام عائشة رضي الله عنها تقول فيه:

«لم أعقِل أبويَّ قطُّ إلَّا وهما يَدِينان الدِّين، ولم يمرَّ علينا يوم إلَّا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النَّهار، بكرةً وعشيَّة، فلمَّا ابتُلي المسلمون، خرج أبو بكر مهاجرًا نحو أرض الحبشة، حتَّى إذا بلغ بَرْك الغَماد لَقِيه ابنُ الدَّغِنة، وهو سيِّد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربِّي .. » (١).

هذا نصُّ كلامها، تُخبِرُ فيه بخروجٍ مَخصوصٍ إلى الحبشة، وهو خروجُ أبيها الصِّديق رضي الله عنه وحدَه؛ ولم تَعنِ مُطلقَ خروجِ المسلمين إلى الحبشة؛ وذلك أنَّ الهجرة إلى الحبشة وَقعت مرَّتين:

أولاها: في السَّنة الخامسة للبِعثة.

وثانيها: ما بين العامِ السَّادسِ والتَّاسع للبِعثة (٢).

والَّذي يَعنينا هنا في أيِّهما كان خروجِ أبي بكر رضي الله عنه، فيُقال في جوابه:

لقد ذَكَرَ ابن إسحاق أنَّ نقضَ الصَّحيفة، ووفاةِ أبي طالب وخديجة: كان عَقِب خروجِ أبي بكر رضي الله عنه، ومَعلوم أنَّ هذه الأحداث لم تكُن في زَمنِ الهجرةِ الأولى إلى الحبشة سنةَ خمسٍ للبِعثةِ قطعًا، وإنَّما وَقَعَت هذه الأحداث ما بين الثَّامنةِ والعاشرةِ للبِعثة!

ترى تقرير هذا التَّاريخ عند ابن كثير في قولِه: « .. كلُّ هذه القَصَص ذكَرَها ابنُ إسحاقٍ مُعترضًا بها بين تَعاقد قريشٍ على بني هاشم وبني المطَّلب، وكتابتِهم


(١) أخرجه البخاري في (ك: المناقب، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، رقم: ٣٩٠٥).
(٢) «سيرة ابن إسحاق» (ص/٢١٣ - ٢٢٢)، و «السيرة النبوية الصحيحة» لأكرم العمري (١/ ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>