للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك لأنَّا مُقرُّون جميعُنا بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَبعوث لأهلِ زمانِه ولمَن بعدَهم إلى يوم القيامة بعامَّة، وخَتْم الرُّسْلِ به صلى الله عليه وسلم مُستلزم لحفظ أقواله التَّشريعيَّة المُفصِّلة لآيِ القرآنِ لمن بُعِث إليهم، كي تقوم الحُجَّة على الكُلِّ بتَمامِها (١)؛ وإلَّا صارت الآيات الآمِرةُ بطاعةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، والاحتكامِ إليه، والاقتداءِ بهَديِه، والمُحَذِّرة مِن مَعِصيَتِه: آمرةً لنا -نحن معاشرَ من لم يَتشرَّف برؤيتِه- بما لا يُستَطاع! وهذا -لا شكَّ- مُحالٌ في الشَّرع؛ أو تكون مَحصورةً فيمَن لَقِيَه صلى الله عليه وسلم فقط دون مَن جاء بعده، وهذا مُخالفٌ للإجماعِ (٢).

ثمَّ يُقال للمُنكرين: لو كانت أقوالُه وأفعاله صلى الله عليه وسلم حرامٌ على الأمَّة أن تهتديَ بها -كما تقولون- مع وجود القرآن، فلماذا لم تنزل ولو آية واحدةٌ تصرِّح بتحريم هذا الاهتداء وتحذير الصَّحابة ومن بعدهم منه، كما جاء التَّصريح القرآنيُّ بباقي المُحرَّمات عليها؟! مع ما نعلمه من كونِ النُّفوس مجبولةً على الاقتداء بأسلافِها العُظماء، والنَّبي صلى الله عليه وسلم لا شكَّ أعظمِ ما تُعظِّمِه الأمَّة مِن الخلقِ.

فعلى التَّسليم للمُنكرين بعدم ورودِ ما يَدلُّ على وجوب اتِّباعه صلى الله عليه وسلم في سُنَّته، فإنَّ مَظنَّة وقوع ذلك من أصحابه وأمَّتِه قويَّةٌ جدًّا، إذن لجاء النُّص القرآنيُّ صريحًا في تَنبيهِ الأمَّةِ على تركِ ذلك! ولم يأتِ النَّص، فدلَّ على المشروعيَّة؛ أقول هذا تنزُّلًا، وإلَّا فالدَّلائل النَّقليَّة الآمرة باتِّباع سُنَّته أكثر مِن أن تُحصى في هذا المقام، والله أعلم.

ثمَّ هل تناسى المُنكرون لحجيَّة السُّنة بأنَّ مَن نَقلوا القرآن إلينا، هم أنفسُهم مَن نقلَ إلينا السُّنَن؟!

إنَّ مِمَّا يتعامى المُنكرون عن التَّنبُّه له في مثل هذا المقام، أنَّ التَّأييدَ الإلهيَّ والعنصرَ البَشريَّ القائِمَين على حفظِ القرآن هما القائمان على حفظِ السُّنة على سواء! فالقرآن محفوظ في نفسِ الوِعاء النَّقليِّ الَّذي حُفظت به السُّنة، وهو الإسناد


(١) انظر «الإحكام» لابن حزم (١/ ١١٨ - ١١٩).
(٢) انظر «المحكمات» لحاتم العوني (ص/٩٥ - ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>