للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو غير مسلم، ليخلصوا إلى كونِ «العَلمانيَّة هي الحماية الحقيقيَّة لحريَّة الدِّين والعقيدة والفكر وحريَّة الإبداع، وهي الحماية الحقَّة للمجتمع المَدنيِّ، ولا قيام له بدونها» (١).

ناهيك عمَّا كان عليه عامَّة المُسلمين مِن جهلٍ مُدقعٍ بحقيقةِ الدِّينِ، وانكبابٍ على التَّصديق بالخُرافات، وتلمُّسِ البَركاتِ على أعتابِ المَشيخاتِ، وتطوافٍ بالقبورِ والمَزارات، وانحسارِ دور كثيرٍ من العُلماء عن واجب المُدافعةِ لذلك والنُّزول في ميادين الإصلاحِ، وهم يرون الغُزاة يتسلَّلون إلى قصورِ السَّلاطين، ويشترون ذِمَم العساكر! ويوظِّفون عُمَلاء لتفعيلِ خُطَطِ التَّغريب، ويبعثون أحزابًا مُوكَلةً بترسيخِ الهَيمنةِ الغَربيَّةِ في شتَّى مُؤسَّساتِها.

فكلُّ هذا ساهَم بقسطِه في ترسيخ الأفكارِ العَلمانيَّة بقرائح كثيرٍ مِن المُثقَّفين المُنتسبين للإسلام، ورسمِها منهجًا للحياةِ في دساتير الحُكمِ، ومناهج التَّعليم.

وجَديرٌ بالذِّكر، أنَّ الاتِّجاه العَلمانيَّ الخالصَ في البلادِ العربيَّةِ، بَدأ مِن أساسِه اتَّجاهًا فكريًّا نَصرانيًّا أرثوذوكسيًّا، حيث كانت أغلبُ الدَّعواتِ إلى تحريرِ المرأة مِن قيودِ الدِّين، وبَثِّ النَّعراتِ القوميَّةِ العربيَّة دون الإسلاميَّةِ، والنُّزوعِ إلى مفهومِ الدَّولةِ القُطريَّةِ الضَّيِقة دون اسم السَّلطنة العُثمانيَّة: هو دَيدَن مُفكِّرين وأُدباء نصارى الشَّامِ على وجهِ الخصوص، وقد أصدروا لنَشرِ ذلك في مجتمعاتهم عِدَّة صُحفٍ ومَجلَّات (٢).

فالعَلمانيَّة إذن في أصلِها خيارٌ غير إسلاميٍّ، ابتدرها نَفرٌ غيرِ مسلمين، زكَّاه لديهم العداءُ المستكِنُّ للإسلام، والإعجابُ المفرط بما بلَغَه أعداءهم الكاثوليك مِن سَطوة، إلى درجةِ الانبهارِ والتَّقليد لحضارتهم الأوربيَّة.


(١) «نقد الخطاب الدِّيني» لنصر حامد أبو زيد (ص/٤٣).
(٢) كمجلة «المقتطف» في بيروت، ومجلَّة «الجامعة» في القاهرة، وانظر دور الصَّحافة النَّصرانية في تَوجيهها التَّغرِيبي للمُجتمعات العربيَّة في كتاب «النَّظريات العلميَّة الحديثة» لحسن الأسمَري (١/ ٥٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>