للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأيُّ واجبٍ اليوم أعظمُ مِن تخليصِ الأجواءِ الإسلاميَّة مِن تلك المَوادِّ الضارَّة، والأفكارِ المعاديَّة لأيِّ سلطةٍ مُقدَّسةٍ إسلاميَّة مُتعالية؟! وأيُّ شَرفٍ أنبلُ مِن أن نَتترَّس دون دواوينِ السُّنة، قطعًا لطريق مَن يبتغي تحريفَ الشَّريعةِ؟ .. والله غالبٌ على أمرِه.

أعود فأقول:

لقد تَركَّزت هَجمةُ العَلمانيِّين وأدعياءِ الحَداثةِ في النَّيلِ مِن الأحاديث النَّبويَّة، بعد أن أعياهُم الوصول إلى القرآنِ في تَواترِ حِفظِه وقَداسةِ نصوصِه، فحَذوا حذوَ المُستشرقينَ في التَّشكيكِ بمِصداقيَّة السُّنَة، وفاقوهم صَلَفًا برَميِها بأوابِدِ السَّاسَة، فهي لا تعدو -مِن مَنظور قراءتِهم التَّفكيكيَّةِ- أن تكونَ «مجموعاتٍ نصيَّةٍ مُغلقةٍ، خاضعةٍ لعمليَّةِ الانتقاءِ، والاختيارِ، والحذفِ التَّعسُّفيةِ، الَّتي فُرِضت في ظِلِّ الأمَويِّين، وأوائل العَبَّاسيِّين، أثناء تشكيلِ المَجموعات النَّصيَّةِ» (١).

ولإن كان تحطيم القِلاع النَّصِيَّةِ الجامدة، وإزاحة المُقدَّسِ مِن حياةِ العامَّة، غايةَ ما يصبو العلمانيُّ الحَداثيُّ إلى بلوغِه، فقد توسَّلوا إلى ذلك -كما قدَّمنا شرحه- بتقليد أساليبِ العلماء في الخطاب، وصَنعوا مِن بعض نصوصهم «حِصانَ طَرْوادة» مُتشَرْعِنًا يستتِرون بداخلِه!

حتَّى إذا اغترَّ بظاهر كلامهم غُفْلُ العَوام، وأدخلوهم به حِصنَ الإسلام: خَرَجت منه جَحافِل المَغولِ الجُدد تُجهِز على ما في الدِّين مِن أصولِ! وتُحَطِّم جُدرانها الفاصلة لحِماها؛ فكان «كُلَّما رَأَى أحدُهم جدارًا ينهارُ في قلاعِ هذا الزَّمَن، يَتَقدَّم نحوَ أنقاضِه، يَتناول حَفنةً منها يَروزها، ثمَّ يَفرُكها بأصابِعه، ثم يَقذِفُ بها في الهواء، ويَقِفُ صامتًا، يَستمتعُ برؤيتِها وهي تَتَناثر وتَتَلاشى .. » (٢).

فلمَّا تَفطَّنَ لهم حُرَّاس الحديثِ، فحاصَروهم بالحُجَّة وأوعَدوهم، ليُثبتوهم أو يُخرجوهم: كَشفَ هذا العَدوُّ تَغيُّضًا عن مُخدَّراتِ نفسِه، وباحَ كُرْهًا عن


(١) «الفكر الإسلامي، نقد واجتهاد» لمحمد أركون (ص/١٠١).
(٢) «النص القرآني وآفاق الكتابة» لأدونيس (ص/١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>