للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للعموم، ووجود السَّببِ -لو كان- لكان مانعًا مِن اقتضائِه للعموم، وهو ممتنع لثلاثة أوجه:

الوجه الأوَّل: أنَّ الأصلَ عدمُ المانِعيَّة، فمُدَّعيها يحتاجُ إلى البيان.

الوجه الثَّاني: أنَّه لو كان مانِعًا مِن الاقتضاءِ للعمومِ، لكان تصريحُ الشَّارع بوجوبِ العملِ بعمومِه مع وجودِ السَّبَب، إمَّا إثباتَ حُكمِ العمومِ مع انتفاءِ العموم، أو إبطالَ الدَّليل المُخصِّص، وهو خلافُ الأصل.

الوجه الثَّالث: أنَّ أكثرَ العموماتِ ورَدَت على أسبابٍ خاصَّة، فآيةُ السَّرقة نزلت في سَرقة المِجنِّ (١)، أو رداء صفوان (٢)، وآية الظِّهار (٣) نزلت في حقِّ سَلمة بن صخر (٤)، وآية اللِّعان نزلت في حقِّ هلال بن أميَّة (٥) ... إلى غير ذلك.

والصَّحابة عَمَّموا أحكامَ هذه الآيات مِن غير نَكيرٍ، فدَلَّ على أن السَّبَب غير مُسقطٍ للعموم، ولو كان مُسقطًا للعمومٍ، لكان إجماعُ الأمَّةِ على التعَّميمِ خلافَ الدَّليل، ولم يَقُل أحَدٌ بذلك» (٦).

فهذا الحقُّ في المسألة أصوليًّا.

وعلى فرضِ التَّسليم بأنَّ «العِبرة بخصوصِ السَّبب، لا بعمومِ اللَّفظ»:

فإنَّ ذلك لا يختلف مع ما أبنَّاه مِن رُجحانِ خلافِها عند التَّحقيق، إلَّا في شيءٍ واحدٍ، وهو: أنَّ الدَّلالة فيما يُماثل الواقعةَ الَّتي وَرَد بسببِها حكمُ النَّصِ،


(١) أخرجها البخاري في صحيحه (ك: الحدود، باب: قول الله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، وفي كم يقطع، رقم: ٦٧٩٥) ومسلم في صحيحه (ك: الحدود، باب: حد السرقة ونصابها، رقم: ١٦٨٥).
(٢) أخرجها النسائي في «السنن الصغرى» (ك: السرقة، باب: الرجل عن سرقته بعد أن يأتي به الإمام، رقم: ٤٨٧٨).
(٣) وهي الآيات الأولى من سورة المجادلة.
(٤) الصَّواب أنَّها نزلت في حقِّ أوس بن الصَّامت وزوجته خولة بنت ثعلبة، انظر تفسير ابن كثير (٨/ ٣٥ - ٣٨).
(٥) أخرجها البخاري في صحيحه (ك: الشهادات، باب: إذا دعى أو قذف، فله أن يلتمس البينة، وينطلق لطلب البينة، برقم: ٢٦٧١)، ومسلم في صحيحه (ك: اللعان، برقم: ١٤٩٦)
(٦) «الإحكام» للآمدي (٢/ ٢٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>