للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليست مِن ذلك اللَّفظ العامِّ نفسِه مِن حيث الدَّلالة فيه على حكمِه، بل مقصورةٌ على الواقعةِ الَّتي وردَ بسببها النَّص فقط، والدَّلالة فيما يُماثل هذه الواقعة، إنَّما هي بطريقِ القياسِ على تلك الواقعة.

في حين أنَّ جمهورَ الفقهاء -على القولِ الأوَّل الصَّوابِ- يقولون: إنَّ دلالةَ اللَّفظِ على ما يُماثل الواقعةَ الَّتي هي صورة السَّبب، كدلالتِها تمامًا على الواقعة الأولى، أي أنَّها كلُّها أفرادٌ تندرج تحت عمومِ ذاك اللَّفظ.

هذا هوالخلاف بين القولين الأصوليَّين فقط؛ فأمَّا أن يُقال كما يقول العَلمانيُّون: إنَّ الأحكامَ الشَّرعيَّةَ ذاتَها مقصورةٌ على صورةِ أسبابِها، بحيث لا تتَعدَّاها إلى ما يَستجِدُّ مِن الوقائع المُشابهة: فشيءٌ خارجٌ عن أقوالِ علماء الأمَّة بالكليَّة (١).

ثالثًا: احتجاجُ العلمانيَّة بقولِ بعضِ الفقهاء: «لا يُنكر تغيُّر الأحكام بتغيُّر الزَّمان والمكان»، ليس على مَوردِ ما لأجلِه ساقَه الفقهاء، إنَّما يقصد مَن أطلقَ هذه العبارةَ بالأحكام: ما تعلَّق منها بالمصلحةِ والعُرف فقط (٢)؛ أمَّا الحُكم الشَّرعيُّ ذاته، والَّذي جاء به النَّص: فلا يَتَغيَّر بتغيُّرِ الأزمنةِ والأمكنةِ، إذْ لا يُمكن أن يكون على صورةٍ مُعيَّنة مُخالفًا لحكمِ صورةٍ مُطابقةٍ لها في مناطِ الحكم، وإنَّما الاختلافُ يكون في الصُّورة الحادثةِ (٣).

بيانُ ذلك: أنَّ الحكمَ الشَّرعيَّ حتَّى يَثبُت، لا بُدَّ له مِن تَحقُّق مجموعِ مناطات لذلك الحكم: مِن أسبابٍ وعِلَلٍ، وتحقُّقِ شروطٍ، وانتفاءِ عوارض وموانع، فهذه المُعطيات تُشكِّل في مجموعِها صورةَ المسألة؛ فإذا حَصَل تشابهٌ بين صُورَتين واختلَف الحُكم بينهما: فمرجِعُه إذن إلى اختلافِ مُؤثِّرٍ بين الصُّورتين في إحدى تلك المُعطياتِ السَّابقة.


(١) انظر «التِّيار العلماني الحديث وموقفه من تفسير القرآن الكريم» (ص/٤٠٨).
(٢) انظر تفصيل ذلك في «إغاثة اللَّهفان من مصايد الشيطان» لابن القيم (١/ ١٣٣).
(٣) انظر «البحر المحيط» للزركشي (١/ ٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>