للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استنكرَها إذْ لم يستسغها فهمُه، مُتحجِّجًا في ذلك بأنَّه «ما كَلَّف الله مُسلمًا أن يقرأ صحيح البخاريِّ ويؤمن بكلِّ ما فيه وإن لم يَصحَّ عنده، أو اعتقدَ أنَّه يُنافي أصول الإسلام» (١)! مع أنَّها من المُتَّفق علي صحَّته لذاتها كما شرطَ في نصِّه السَّابق!

فقد نَقَض بهذه الكلمات ما سُقناه عنه آنفًا مِن كلامِه عن المَوضوعات في «الصَّحيحين»، إذ حَكَم بنفسه على جملةٍ مِن أحاديثِ الكِتابين بالوَضع! وهو الَّذي حجَّر هذه الدَّعوى قبلُ؛ فتوهَّم فيها «بعض ما عَدُّوه مِن علاماتِ الوَضع؛ كحديثِ سحرِ بعضِهم للنَّبي صلى الله عليه وسلم» (٢).

الفرع الرَّابع: أحاديثُ «الصَّحيحين» الَّتي أعَلَّها (رشيد رضا).

قد أحصيتُ عددَ الأحاديث الَّتي ردَّها رشيدٌ في «الصَّحيحين» مِن جهة متونِها، فبلغت عندي ثلاث عشرة حديثًا، لا يأتيها الشَّيخ دائمًا في صورةِ الإنكار لثبوتِها، ولكن أحيانًا ينقُل إشكالًا على متنِ منها، ثمَّ يتركه وحالَه دون جواب عنه! وهو ما يُعطي انطباعًا راجحًا بأنَّه مائلٌ إلى إنكاره، هذا إن لم يكن هو مَن أثارَ تلك الإشكالات على الحديث ابتداءً!

ثمَّ إذا حاولَ رفعَ الإشكال عن الحديث، فقد يَتعسَّف في تأويلِه بما قد يؤول إلى إبطالِ دلالته (٣).

والمُلاحَظ في أغلبِ هذه الأحاديثِ الَمردودة مِن قِبَلِه أنَّها مِن بابِ أشراطِ السَّاعة، فقد اشتهر (رشيدٌ) بردِّها، بل عنه ينقلُ بعضُ الطَّاعنين في السُّنة في هذا الباب (٤)؛ هذا والوارد في هذا البابِ مِن الأشراط غفيرٌ، و (رشيد) إنَّما يَردُّ بعضَ الصِّحاحِ من الأخبار بقناعةٍ هو يَراها أصلًا كُليًّا يَعرِض عليه مثل هذه الآحاد.


(١) «مجلة المنار» (٢٩/ ٣٧).
(٢) «مجلة المنار» (٢٩/ ٨١).
(٣) انظر «آراء محمد رشيد رضا في قضايا السنة النبوية من خلال مجلة المنار» (ص/٤١٤).
(٤) مثل (صالح أبو بكر) في كتابه «الأضواء القرآنية» (ص/٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>