للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقناعتُه في هذا البابِ مِن أحاديث أماراتِ السَّاعة مُنبنيةٌ على مُعارضَين عقلِيَّين:

الأوَّل: أنَّ أشراطَ السَّاعة الصُّغرى المُعتاد مثلُها، والَّتي تَقَع عادةً بالتَّدريج، لا تُذكِّر بقيامِ السَّاعة، فلا تَتَحصَّل بها الفائدة الَّتي لأجلِها أخَبرَ الشَّارعُ بقُربِ قيامِ السَّاعة (١).

الثَّاني: أنَّ ما وَرَد مِن الأشراطِ الكبرى الخارقةِ للعادة؛ يَضعُ العالم بها في مَأمنٍ مِن قيامِ السَّاعة بغتةً، مثل وقوعها كلِّها؛ فانتَفَت الفائدةُ إذن مِن هذا الإخبار (٢).

والجواب عمَّا أوردَه على هذا النَّوع مِن الأحاديث يتَلخَّص في الأوجهِ التَّالية:

الوجه الأوَّل: أنَّ هذا الاعتراضَ وإنْ رَاشَه رشيدٌ على تلك الصِّحاح مِن الأخبار، فإنَّه قد فاتَه أنَّ نفس الاعتراض يَسري إلى الآياتِ النَّاصةِ على أنَّ للسَّاعةِ أَشْراطًا، سواء بسواء!

مِن ذلك قوله تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: ١٨].

وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا} [الزخرف: ٦١].

وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياء: ٩٦ - ٩٧].

وبهذا الإلزام يَغرقُ أيُّ مُنكِرٍ لها في مَخَاضَةٍ لا مَحيصَ له عنها، إلَّا باتِّهامِ رأيِه قبل التَّسارع في الطَّعنِ على الدَّلائل ببادِي الرأيِّ.


(١) «تفسير المنار» (٩/ ٤٠٧).
(٢) انظر «تفسير المنار» (٩/ ٤٠٧)، و «مجلة المنار» (٣٢/ ٧٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>