للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان خبرُ الواحدِ قد تَلقَّته الأمَّة بالقَبول، وتَمادى به الزَّمان الطَّويل دون أن يظهر ناقدٌ مُعتبرٌ يُنكِرُه، وهي في ذلك مُعتقِدةٌ لِما فيه، عاملةٌ به لأجلِه -سواءٌ في ذلك عَمِل الكلُّ به، أو عمِل البعضُ، وتَأوَّله البعض- فمثل هذا مِمَّا يُقطَع بصِدقِه، والعلماء ما فتئوا يقرِّرون بأنَّه «متى كان المُحدِّث قد كذَب أو غلط، فلا بُدَّ أن يَنصِب الله حُجَّةً يُبيِّن بها ذلك» (١).

فالحاصل: أنَّ احتمال وجود عِلَّةٍ للحديث لم تُنقل يَردُّه ما تَقَدَّم مِن تَكفُّل الله عز وجل بالبيانِ وحفظِ الشَّريعة؛ وسيأتي تفصيل هذه المسألة بما هو أدقُّ تقسيمًا وأغزرُ أدلَّةً، في مَبحثِه المُستقلِّ من هذا البحث.

الفرع السَّادس: الفرق بين منهجِ (رشيد رضا) وبين أستاذه (عبدُه) وغيره مِن مُعاصِريه في الموقف مِن أحاديث «الصَّحيحين»، وأثرُ ذلك على مَن جاء بَعده.

الملفتُ للنَّظر -بما أسلَفنا إيرادُه مِن بعضِ زلَّاتٍ مَنهجيَّة لـ (رشيد رضا) في تعاملِه مع أخبار «الصَّحيحين» - أنَّه كان سالِكًا في نقدِها غيرَ مَسلكِ شيخِه (عبُده) -مع اتِّفاقهِما على ظَنِّيتها في الجملةِ- وذلك: أنَّ (عبده) مستسهلٌ للطَّعنِ في ظواهرِ مُتونها، بمُختلفِ الدَّعاوي العقليَّة وغيرها، غيرَ عابئٍ في ذلك بصحَّةِ سَندٍ أو اتِّفاقِ سَلف؛ بخلافِ (رشيد رضا) الَّذي يحاول في ذلك تطبيقَ قواعدِ المُحدِّثين المُقرَّرة في مناهج النَّقد، ونقلِ كلامِ أئمَّةِ الجرح والتَّعديل، قصدَ ترجيحِ أحدِ أقوالهم المُوافقة لما يَراه هو صَوابًا في الحديث.

وقد صرَّح (رشيدٌ) بهذا المنهجِ في قولِه: « .. نحن قد اتَّبَعنا في المنارِ هذه القواعد كلَّها في حلِّ مُشكلاتِ الأحاديث، كما صرَّحنا به في مَواضع مِن المنار والتَّفسير» (٢).


(١) «جواب الاعتراضات المصرية» (ص/٤٨).
(٢) «مجلة المنار» (٣٣/ ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>