للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعضُ الحَدَاثيِّين مِمَّن يستشهدون بكلام الرَّجلين في نقدهم للسُّنَن، يقرُّون بهذا الفرقِ بينهما في حيازة آلاتِ النَّقد، كما تراه في قول (محمَّد حمزة): « .. أمَّا محمد رشيد رضا، فقد مَكنَّه إلمامُه بعلومِ الحديث، ومعرفته الواسعة بما حَوَته مُدوَّنات الحديث مِن رواياتٍ وأخبارٍ، مِن أن يكون أكثرَ تَعمُّقًا مِن شيخِه في تفحُّصِ الأخبارِ، ونقدِ سلاسلِ الإسنادِ، وترجيحِ الرِّوايةِ الَّتي يَميل إلى صِدقها» (١).

فهذا منهجٌ في النَّقد صحيحٌ، شرطَ أن يكون تنزيلُه سلِيمًا مِن جِهة القواعد، مُناسبًا مِن جهة المَحَلِّ، وهو ما لم يَتوَّفر في أغلبِ تطبيقاتِ (رشيدٍ) في ما تَقدَّم مِن أحاديث أعَلَّها في «الصَّحيحين»؛ فكان يتَعسَّف في جرحِ بعضِ الرُّواة وجمهورِ النُّقاد على توثيقِهم؛ بل رأيتُه في مَواضِع مِن كتاباتِه يردُّ رواياتِ بعضِ الثَّقات بتُهمةِ التَّدليس، مع أنَّ النُّقاد إنَّما تَكلَّموا في سماعِه عن شيخٍ بعَينِه لا مُطلقًا (٢)، ونحو ذلك من أخطاءِ تنزيلِه لكلامِ الأئمَّة وقواعدِهم على الحديث.

نعم؛ هذه الشُّذوذات الَّتي زَلَّ فيها قَلَمُ (رشيدٍ) تَكِئةً لِطائفةٍ مِن أذنابِ المُستشرقين في عُدوانِهم على السُّنةِ بعامَّة، وأخبارِ «الصَّحيحين» بخاصَّة، تَلقَّفوها عنه مُستَندًا يُبيحون به عَبَثهم في الكِتابين، يَتقدَّمهم في ذلك (أبو ريَّة) في كتابِه «أضواء على السُّنة المحمَّدية»، ما دَفَع أحمد شاكر (ت ١٣٧٧ هـ) (٣) إلى أنْ يستنكر هذا الخلل الكبيرعلى شيخِه (رشيدٍ) بقوله:

«لم نرَ فيمَن تَقدَّمنا مِن أهل العلم، مَن اجترأ على ادِّعاءِ أنَّ في «الصَّحيحين» أحاديث مَوضوعة، فضلًا عن الإيهامِ والتَّشنيعِ الَّذي يَطويه كلامُه،


(١) «الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي المعاصر» (ص/٣٢٣).
(٢) كما فعل في شأن اتهامه لإبراهيم التيمي بالتدليس في «مجلة المنار» (٣٢/ ٧٧٢)، وتخطئته لهشام بن عروة في (٣٣/ ٣٣)، أضف إليهم طعنه في كعب الأحبار ووهب وهمام ابني منبه في (٢٦/ ٧٣).
(٣) أحمد بن محمد شاكر بن أحمد ابن عبد القادر، من آل أبي علياء، يرفع نسبه إلى الحسين بن علي: عالم بالحديث والتفسير، مولده ووفاته في القاهرة، كان قاضيا الى سنة ١٩٥١ م ورئيسا للمحكمة الشرعية العليا، وأحيل إلى (المعاش)، فانقطع للتأليف والنشر إلى أن توفي، من أعظم أعماله: تخريج مسند أحمد بن حنبل في خمسة عشر جزءا منه، وله تحقيقات مفيدة، منها ما حلى بها هوامش «الرسالة» الشافعي، و «لباب الآداب» لابن منقذ، انظر «الأعلام» للزركلي (١/ ٢٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>