للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوقتِ الَّذي كانت مجلَّتُه زاخرةً بتقريرِ قواعدِ هذا الفنِّ، وتأصيلِ بعض مسائلِه، بل والدِّفاع عن بعض الأحاديث ضدَّ طعون أهلِ زمانِه.

وفي تقرير هذه الفضيلة في حقِّه يقول (مصطفى السِّباعي): «أمَّا السَّيد رشيد رضا فيظهرُ أنَّه كان أوَّلَ أمرِه مُتأثِّرًا بوِجهةِ أستاذِه الشَّيخ محمد عبدُه، وكان مثلَه في أوَّل الأمرِ قليلَ البضاعة مِن الحديث، قليلَ المعرفةِ بعلومِه؛ ولكنَّه منذ استلَمَ لواءَ الإصلاحِ بعد وفاةِ الإمام محمد عبدُه، وأخَذَ يخوض غِمارَ الميادين الفقهيَّة والحديثيَّة وغيرهما، وأصبح مَرجعَ المسلمين في أنحاء العالم في كلِّ ما يَعرض لهم مِن مشكلاتٍ: كثُرت بضاعتُه مِن الحديث، وخبرتُه بعلومِه، حتَّى غدا آخرَ الآمرِ حاملَ لواءِ السُّنة، وأبرزَ أعلامِها في مصر خاصَّة، نظرًا لمِا كان عليه علماء الأزهرِ مِن إهمالٍ لكُتبِ السُّنة وعلومها، وتبحُّرهم في المذاهب الفقهيَّة والكلاميَّة واللُّغوية وغيرها» (١).

ولأن كان مُؤدَّى كثيرٍ مِن نَقداتِ (رشيدٍ) للصِّحاحِ إلى تعطيلِ اعتقادِ بعضِ السُّنَن، لشُبهة عرضَت له فيها، لا تَقوى -في واقعِ الأمر- على المثولِ أمام بيِّنات الحقِّ؛ إلَّا أنَّ مَرامَه الأوَّل مِن ذلك: دَرءُ ما يعتقده من شُبهاتٍ لخصومِ الإسلام عن سُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، محاولًا في ذلك استعمالَ قواعدِ النَّقدِ المُتوارثةَ مِن لَدُن النُّقادِ الأسلافِ على قدر علمه بها.

فأين هذا مما يَفعله كثيرٌ مِمَّن يتبجَّحُ بمقالاتِه مِن أنصافِ الباحثين في هذا الوقت؟!، مِمَّن يُجهز على العَشراتِ -بل المئاتِ- من الأخبارِ الثَّابتة بمُجرَّد الرَّأي السَّائب أو الهوى.

لكن (رشيد رضا) لونٌ آخر؛ فلقد نَذَر قَلَمَه للدِّفاع عن السُّنةِ وحَمَلتها بما نرجو به رفعتَه في الآخرة؛ ومُعظم الآراءِ الَّتي خَرَج بها عن مسالك أهل النَّقد الحقيقيِّين قصدُه من ذلك الذَّوْد عن الدِّين، وما يراه توفيقًا بين النُّصوص ومُستجَدَّات العصر، «إلَاّ أنَّ تَوقُّفَ حركةِ الاجتهادِ ردْحًا مِن الزَّمن، وقِلَّة


(١) «السُّنة ومكانتها في التشريع» (ص/٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>