للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعوان، وتَبلُّد الأفهام، وكثرةَ الأعداء والطَّاعنين في الدِّين، وشراسةَ الحملةِ الغربيَّة آنذاك على بلاد المسلمين، دَفَعتْ بالشَّيخِ إلى التَّسرُّعِ في الرَّدِّ على الشُّبَهِ المُثارة بكلِّ ما طالته يَدُه، ودَفَعته إلى التَّوسُّعِ في الذَّودِ عن الإسلامِ في كلِّ علمٍ، مهما كان مَبلغه فيه قليلًا، ممَّا أدَّى به إلى الخروجِ عن الجادَّة المَوروثةِ في كثيرٍ مَن المَسائل» (١).

فلا يجوز -بحالٍ- أن يُرمَى الشَّيخُ في قصدِه بما يُرمَى به مَن كان غرضَه التَّشكيكُ في السُّنةِ واللَّمز بحَمَلتِها ابتداءً، فضلًا عن أن يُتَّهم بَهدْمِ «الصَّحيحين» اللَّذين هما قُطب رَحاها؛ وقد مرَّ بك قبلُ ثناءَه على الكِتابينِ وتبجيلَه للشَّيخين، ومُوافقته لِما عليه المُتخصِّصون مِن صِحَّةِ أغلبِ أخبارِهما.

وأزيد فيه بيتًا من الشِّعر فأقول:

إنَّ هذا الحُبَّ الظَّاهرَ مِن (رشيدٍ) للسُّنة النَّبويَّة ودفعه عنها شبهات المُلحدين، فضلًا عن إمامتِه في وقتِه في كثيرٍ مِن حقولِ المَعرفة ومَيادين الإصلاح: هو ما أغرى كثيرًا مِن خصومِ السُّنَن للاستشهادِ بمَقولاتِه، حتَّى يُضفوا عليها مَزيدَ قَبولٍ عند النَّاس وهَيْبة.

إنَّ هذا الخطابَ من (رشيدٍ) في نقدِه للأحاديث على محدوديَّتِه، قد وَجَد له صدًى عميقًا لَدى كثيرٍ مِن القُرَّاء بعده،؛ وحين عاب (طه حسين) على (أبو ريَّة) كثرةِ استشهادِه بأقوالِ (رشيد رضا)، اعتذر إليه (أبو ريَّة) بأنَّه لم يُقدِم على ذلك عفوًا، أو فقرًا مِن الأدلَّة، وإنَّما قَصدُه مِن ذلك أمور مهمَّة، «منها: أنَّ هذا السَّيد يُعتَبر في هذا العصرِ مِن كبارِ أئمَّةِ الفقهاءِ المُجتهدين عند أهلِ السُّنةِ الَّذين يُعتَدُّ برأيهم .. »، «ولأنَّه -بلا منازع- شيخُ مُحِّدثي أهلِ السُّنة في عصرنا، بحيث يَعلمُ مِن الأحاديث الَّتي حمَلَتها الكتبُ المشهورة لدى الجمهور، ويُدرك ما اعتراها مِن فعلِ الرُّواة، وغير ذلك ممَّا يتَّصل بكتابي، ما لم يعلم مثلَه سِواه» (٢).


(١) «موقف المدرسة العقليَّة الحديثة من الحديث النبوي» لشفيق شقير (٤٠٩ - ٤١٠).
(٢) «أضواء على السنة المحمدية» (ص/٣٤ - ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>