للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول (أبو ريَّة): « .. على أنَّه فوق ذلك ورِثَ علمَ الأستاذ الإمام محمَّد عبدُه، وناهيك به علمًا وفضلًا، بحيث لا يختلف اثنان بأنَّه مِن كبارِ أئمَّة الدِّين المُجتهدين، فما يقوله السَّيد رشيد إنَّما اعتبِره كأنَّه صادرٌ عن أستاذِه الإمام، وذلك في ما أرى أنَّه مِن منهجِ الأستاذ الإمام وأسلوبِه في النَّظرِ إلى الدِّين» (١).

هذه التَّزكية من (أبو ريَّة) لـ (رشيد رِضا) ينقلها (عبد المَجيد الشَّرفي) أحد رؤوس الحداثيِّين في تونس مُتدَرِّعًا بها في غارَتِه على السُّنَن (٢)، ثمَّ زادَ عليها شهادَتَه له بأنَّه «مُحَدِّث، يَعرف ميدانَ الحديث بدِقَّة» (٣).

و (رشيد رضا) -مع اعترافنا بفضلِه- ليس أهلًا عند أهل الصَّنعة أن يُطلق عليه لقب مُحدِّث، ولا هو مِن أحلاسِ هذا الفنِّ؛ وقد شرحنا قبلُ كيف تَعنَّى خوضَ مَسائلِ هذا العلمِ في جَوٍّ سادَ فيه الجهلُ به؛ وإنَّما صادفَ ردُّه لما ردَّ من ثابتِ الأحاديثِ هَوىً في أنفسِ هؤلاءِ المُعجبين به، فصَيَّروه إمامَ الأئمَّةِ، والصَّيرفيَّ الَّذي لا تخفى عليه زيوفُ الأخبار!

وهو الَّذي صرَّحَ في نصِّه الماضي قريبًا، أنَّ الأحاديثَ الَّتي اتَّفق العلماء على تَصحيحِها في «الصَّحيحين» لا يُعترَض عليها إلَّا النَّادر منها، ولا أظنُّ لفظَ «النَّادر» في كلامِ رشيدٍ مُبهمًا تحتاج إلى تفسير.

فما بالُ أولئك يخوضون في «الصَّحيحين» طولًا وعرضًا دون حياءٍ؟!

الفرع السَّابع: تَخفُّف (رشيد رضا) مِن منهجِه القديمِ في التَّعاملِ مع السُّنةِ وأحاديثِها.

الَّذي يغفَل عنه كثيرٌ مِن الدَّارسين لموقف (رشيد رضا) من السُّنة من مُتعجِّلي النَّقد: أنَّه قد تَدرَّج في الانسلاخِ مِن عباءةِ التَّمعقُلِ الكَلاميِّ على نصوصِ السُّنة شيئًا فشيئًا، وقد أظهرَ رجوعَه عن مناهجِ غُلاةِ المُتأخِّرين في مَوقفِهم مِن


(١) «أضواء على السنة المحمدية» (ص/٣٥).
(٢) «الإسلام والحداثة» للشَّرفي (ص/٩٥).
(٣) «تحديث الفكر الإسلامي» للشَّرفي (ص/٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>