للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنَّ الكتابَ ليس كما تُصوِّره الحَمَلَة عليه، كأنَّه كتابٌ ضد السُّنة! ولا كما تَصَوَّروا مُؤلِّفَه، وكأنَّه يُنكر السُّنة! فهذا ظلمٌ بيِّنٌ للشَّيخ، الَّذي طالما دافعَ عن حُجِّيةِ السُّنة المشرَّفة، وهاجَم خصومَها بعنفٍ؛ وإنكارُ حديثٍ أو حديثين أو ثلاثة، وإن ثَبَتَت في الصِّحاح، لا يعني بحالٍ إنكارَ السُّنة بوَصفِها أصلًا ثانيًا، ومَصدرًا تاليًا للقرآن» (١).

ولقد رأيتَ أنَّ إقرارِنا بهذه البَراءةِ (للغَزاليِّ) ودَفعنا لقولِ مَن أقذعَ فيه، لم يُثنِنا عن نقدِه، وبيانِ زَلَله حين زَلَّ؛ وذلك أنَّ عُذرَه الَّذي يُبديه (الغزاليُّ) في كلِّ مَوطنٍ يرفُض فيه التَّسليمَ ببعضِ الصِّحاحِ مِن الأخبار النَّبويَّة: مِن أنَّه يخافُ على الإسلام مِن شَماتةٍ أعدائِه، حريصٌ على الدِّين أن يجدَ العَلمانيُّون واللَّادينيُّون فيه ثغرةً ينفذُون منها للطَّعنِ فيه، فكان يقول: «إنَّني آبَى كلَّ الإباء، أن أربِطَ مُستقبلَ الإسلامِ كلِّه بحديثِ آحادٍ، مهما بَلَغَت صِحَّتُه» (٢).

أقول: لا يَشفعُ (للغَزاليِّ) مثل هذا الاعتذارِ مهما حسُن فيه مَقصِدُه، فإنَّ كثيرًا مِن الأحاديثِ لم يَزَلْ أهلُ الأهواءِ وأربابُ المِلَلِ قديمًا يَنْعَونَها على المُسلِمين ولا يزالون، فلم نَجِد أحدًا مِن أئمَّةِ الإسلامِ يَطعنُ فيها مُجاراةً لحضارةِ أعدائِهم، أو شفقةً على نظرتِهم للإسلام.

لكن مشكلة (الغَزاليِّ) أنَّه رأى إسقاطَ بعضٍ مِن تلك الأحاديثِ الصَّحيحة المُستشكَلةِ في بعضِ الأذهانِ مِن قائمةِ التَّعويل -ولو كان مَقامُها في قلبِ «الصَّحيحين» - سبيلًا لدَرْءِ شُبهاتِ أولائكِ النَّاعِقين على الإسلام، فمتى كان رأيُ الكَفَرةِ مِن الإفرنجِ وأذنابِهم مِعيارًا مُعتبَرًا عند المُسلمين في تحسينِ صورةِ دينِهم أو تقبيحِه؟!


(١) «موقف الشيخ الغزالي من السنة النبوية» لـ د. القرضاوي (ص/٣٧٩).
(٢) «الطريق من هنا» لمحمد الغزالي (ص/٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>