للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَإنْ تبادَر إلى فهمِ (الغَزاليِّ) مِن مُتونِها مَعانِيَ تنافرها قناعاته، فالمُشكلة حينها في فهمِ الشَّيخِ لا في الأحاديث نفسها، ولا في أخذ الأئمَّة بها؛ ولا أجد في هذا المقام جوابًا عليه أسَدَّ ولا أنسبَ مِن جوابِه هو نفسِه حين قال:

«أمَّا نقدُ المتنِ: فقَوامُه مُقاربةُ الحديثِ المَنقول بما صَحَّ مِن نقولٍ أخرى، والنَّظر إليه على ضوءِ ما تقرَّر إجمالًا وتفصيلًا في كتابِ الله، وسُنَّة رسولِه صلى الله عليه وسلم ..

وقد استباحَ بعضُ القاصِرين لأنفسِهم أن يردُّوا بعضَ السُّنَن الصِّحاح، لأنَّهم أساءوا فهمَها، فسارَعوا إلى تكذيبِها دون تبصُّرٍ! ..

وكُتب السُّنةِ المُعتبرةِ في ثقافتِنا التَّقليديَّة مَليئةٌ بالأحاديثِ الصَّحيحةِ والحَسنةِ، وفيها كذلك الضَّعيف الَّذي كشَف العلماء عِلَلَه؛ وعندي أنَّ المُشكلة الأولى ليست في مَيْز الصَّحيح مِن الحسن، والحسنِ مِن الضَّعيف، بل في فهمِ الحديثِ على وَجهِه، وترتيبِه مع غيرِه مِن السُّنَن الواردة، وهذا هو عملُ الفقهاء، وجهدُهم الكبير» (١).

الفرع الثَّاني: مَوقفُ (محمَّد الغزالي) مِن «الصَّحِيحين».

لـ «لصَّحيحين» مَكانة عظيمة في قلبِ (الغَزاليِّ) لا تُنكَر، مُقِّرٌ هو بأفضلِيَّتهما على سائرِ كُتبِ الصِّحاح، مُسلِّمٌ لهما بتَجاوزِهما -كما يقول- «قنطرةَ الصِّحة» (٢).

والشَّيخ مع هذه الحال من التَّقدير الجُمليِّ للكتابين، لم يَمْنَعهُ ذلك مِن استباحة الطَّعن في بعضِ ما أخرج الشَّيخان فيهما، وإن لم يُعِلَّه قبله ناقدٌ متخصِّص؛ كحديثِ «لَطمِ موسى عليه السلام للمَلك»؛ فلمَّا استوحش الشَّيخ من فِعلتِه هذه، ولم يجد له مؤنسًا من سلفٍ مُعتَبَر، انسابَ قَلَمُه عجِلًا يدَّعي أنَّ الحديثَ «قد جادَلَ البعضُ في صِحَّته» (٣)!


(١) «مقالات الشَّيخ محمد الغزالي في مجلَّة الوعي الإسلاميَّة» (ص/٣٤٧ - ٣٤٨).
(٢) كما قال في شرحه لمنهج المنذري في «الترغيب والترهيب» في كتابه «تراثنا الفكري في ميزان العقل والشرع» (ص/١٤٩).
(٣) «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>