للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل النَّار» (١)، وحديث انشقاقِ القمر (٢)، وحديث توقُّف الشَّمس لأحد الأنبياء (٣)، وحديث حذيفة الطَّويل في الفِتن (٤).

والَّذي أراه جَرَّأ (الغَزاليَّ) على إحالةِ هذه الأحاديثِ في «الصَّحيحين»، فقَلَّلَ مِن هَيْبَة مَسِّها في صدرِه: اتِّباعُه لِما دَرَج عليه بعضُ المُتكلِّمِين مِن اندراجِ أحاديثِهما في جملةِ الآحادِ الَّتي لا تُفيد غير الظَّن؛ وقد أبان (الغزاليُّ) عن هذا الأصلِ الَّذي اشتغل به بقوله:

«الأحاديث في «الصَّحيحين» المَروِيَّة بطريقِ الآحادِ، هل يَنطبِقُ عليها ما تقدَّم في درجةِ القطعِ بصحَّةِ الصَّحيح؟

يرَى ابن الصَّلاح أنَّ الأمَّة حيث تلقَّتهما بالقَبول، فكأنَّ هذا إجماعٌ على صِحَّتهما، وأنَّ كل ما فيهما صحيحٌ سندًا ومتنًا (٥)؛ ولكنَّ الجمهورَ لا يَرَوْن أنَّ الأمَّةَ قد اتَّفَقَت على صِحَّة هذين الكِتابين، بل الاتِّفاقُ إنَّما وَقَع على جوازِ العملِ بما فيهما، وذلك لا يُنافى أن يكون ما فيهما ثابتًا بطريقِ غلبةِ الظِّن، لا القطعِ، فإنَّ الله لم يُكلِّفنا بدرجةِ القطعِ في تفاصيل الأحكام العمليَّة، ولذلك يجبُ الحكمُ بمُوجب البيِّنة، وهي لا تُفيد إلَّا الظَّن.

وتجدر الإشارة هنا: إلى أنَّ الحديث الصَّحيح الآحاديَّ، قد تحفُّ به قرائن مُؤيِّدة مُؤكِّدة، فينتقلُ مِن درجِة الظَّن إلى درجةِ القطع في الثُّبوت، أو إلى ما


(١) «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/١٨٦).
(٢) «الطريق من هنا» (ص/٥٠).
(٣) «الطريق من هنا» (ص/٥١)
(٤) «فقه السيرة» (ص/١٤)، وأعني بالحديث ما في صحيح مسلم (برقم ٢٨٩١) قال حذيفة رضي الله عنه: «والله إني لأعلم النَّاس بكلِّ فتنة هي كائنة فيما بيني وبين السَّاعة، وما بي إلَاّ أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرَّ إليَّ في ذلك شيئا لم يحدثه غيري ... »، ودعواه في ردِّه: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيوب على هذا النَّحو المفصَّل الشَّامل العَجيب.
(٥) لم يقُل هذا ابن الصَّلاح! إنَّما قال أنَّ المَقطوع به من أحاديث «الصَّحيحين» ما تُلقِّي بالقَبول واتُّفق على صِحَّتِه، دون ما اختُلِف في تصحيحِه وتعليلِه من قِبَل النُّقاد، وسيأتي كلامُه مُفصَّلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>