للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمُتاح فهمُه مِن ظاهرِ كلام المُستمليِّ: أنَّ بعضَ رُواةِ الكتابِ اجتهدوا في ترتيبِ بعضِ مواضِع الأحاديثِ والأبوابِ -وهي قليلةٌ على كلِّ حال- تقديمًا وتأخيرًا، وليس فيه أنَّهم أضافوا شيئًا مِن عندهم فيه أو أنقصوا منه!

ولازمُ هذا كلِّه: أنَّ كتابَ البخاريِّ كان مُدوَّنًا في أصلٍ مُحرَّرٍ.

يقول المُعلِّمي: «البخاريّ حَدَّث بتلك النُّسخةِ، وسَمِع النَّاسُ منه منها، وأخَذوا لأنفسِهم نُسَخًا في حياتِه، فثَبت بذلك أنَّه مُطمَئِنٌّ إلى جميع ما أثبتَه فيها .. أمَّا التَّقديمُ والتَّأخير -يعني في بعضِ رواياتِ «الصَّحيح» - فالاستقراءُ يُبيِّن أنَّه لم يَقع إلَّا في الأبوابِ والتَّراجم، يَتَقدَّم أحدُ البابَين في نُسخةٍ، ويَتأخَّر في أخرى، وتَقعُ التَّرجمة قبل هذا الحديثِ في نُسخةٍ، وتَتأخَّر عنه في أخرى، فيلتحِقُ بالتَّرجمةِ السَّابقةِ، ولم يَقع مِن ذلك ما يَمَسُّ سياقَ الأحاديثِ بضَررٍ» (١).

ومِمَّا يشهد لصحَّة هذا التَّقريرِ، ما عَلَّق به الباجيُّ نفسُه على نصِّ المُستملي بعد نقلِه إيَّاه (٢) بقوله:

« .. رواية أبي إسحاق المُستملي، ورواية أبي محمَّد السَّرخسي (ت ٣٨١ هـ)، ورواية أبي الهيثم الكُشْمِيهَني (ت ٣٨٩ هـ)، ورواية أبي زيد المَرْوَزي (ت ٣٧١ هـ) -وقد نَسَخوا مِن أصلٍ واحدٍ (٣) - فيها التَّقديم والتَّأخير، وإنَّما ذلك بحسبِ ما قدَّر كلُّ واحدٍ منهم في ما كان في طُرَّةٍ أو رُقعةٍ مُضافةٍ، أنَّه مِن مَوضعٍ ما، فأضافه إليه» (٤).

ومِمَّن دَفَع مَقولَة تركِ البخاريِّ لـ «جامعِه الصَّحيح» مُسَوَّدةً مِن أئمَّةِ


(١) «الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/٢٥٨).
(٢) وهو المتفرِّد برواية هذا الكلامِ عن المستملي من طريق شيخِه أبي ذرٍّ الهَرويِّ (ت ٤٣٤ هـ).
(٣) وهؤلاء الأئمة الأربعة تلاميذ الفَربري (ت ٣٢٠ هـ) أشهرِ من سمِع من البخاري «جامعه الصحيح»، وروايته له أتم الروايات.
(٤) «التعديل والتجريح» لأبي الوليد الباجي (١/ ٣١٠ - ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>