للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِن طريقِ عبد الملك بن مسلم (١)، عن عيسى بن حطَّان (٢)،

أنَّه شهِد عمرَو بنَ ميمون، حين سُئِل عن أعجبِ ما رأى في الجاهليَّة؟ قال:

«كنتُ في اليَمَن في غَنمٍ لأهلي، وأنا على شُرُفي، قال: فجاءَ قِردٌ ومعه قِردة، فتوسَّد يدَها فوَضَع يدَه فوق جسَدَها فنام، قال: فرأيتُ قردًا أصغرَ منه جاء يمشي خفيًّا، حتَّى غمز القِردة بيده، ثمَّ وَلَّى ذاهبًا، قال: فسَلَّت يدَها مِن تحتِ خدِّه سلًّا رقيقًا، قال: ووَضَعَت خدَّه على الأرض، ثمَّ تَبِعَته، قال: فوَقَع عليها وأنا أنظر إليه.

قال: ثمَّ رَجَعتَ، فجَعَلت تُدخِل يدَها تحتَ خدِّه إدخالًا رقيقًا، قال: فاستيقظَ فزِعًا مذعورًا! قال: وأطافَ بها وشمَّها، ثمَّ شمَّ حياهَا (٣)، فصاحَ صيحةً شديدةً، قال: فجَعَلَت القُرود تَجيء يَمنةً ويسرةً، مِن بين يديه ومِن خلفه، واجتمعَ منهم جماعة، قال: فجَعَل يَصيح ويُومئ إليها بيَدِه، ثمَّ سَكَت، قال: فذَهَبت القرود يمنةً ويسرةً، قال: فما لبِثنا أن جاءوا به بعينِه أعرفُه، فحَفَروا لهما حُفَيرة فرَجموهما، فلقد رأيتُ الرَّجم في غيرِ بني آدم قبل أن أراه في بني آدم!» (٤).

وقد علِمنا قبلُ اختصاصَ كلِّ أنثى من القرودِ بذَكرٍ مُعَيَّنٍ، فإذا أمكَنَتْ نفسَها مِن آخر مع بقاء ارتباطِها بالأوَّل: عُدَّ ذلك في طباعِها خِيانةً، يستحقُّ فاعِلُه العقابَ، كحالِ الإنسان تمامًا.


(١) عبد الملك بن مسلم بن سلام الحنفي، أبو سلام الكوفي، ثقة شيعي، من كبار أتباع التابعين، انظر «تهذيب الكمال» (١٨/ ٤١٥).
(٢) عيسى بن حطَّان الرقاشى، من أواسط التابعين، وَثَّقه العجلي وابن حبَّان، انظر «تهذيب الكمال» (٢٢/ ٥٩٠).

هذا وإنَّ قول ابن عبد البرِّ في «الاستيعاب» (٣/ ١٢٠٦) في عبد الملك بن مسلم، وعيسى بن حطَّان: «لَا يُحْتَجُّ بهما»: ممَّا ردَّه عليه ابن حجر، فإنَّ عبد الملك ثقة مِن رجال الصَّحيح، ولم يسبقه أحد في تضعيفه، وأمَّا عيسى فقال في «التَّقريب»: «مقبول»، أي حسن الحديث إذا توبع، فحديثه لا بأس به في غير الأحكام على وجه الخصوص، وانظر «لسان الميزان» لابن حجر (٦/ ٢٦٠).
(٣) أي: دُبرها، كما في رواية أبي نعيم في «معرفة الصحابة» (٤/ ٢٠٤٧).
(٤) أخرجه ابن شاذان في «أجزائه» (ج ٢/ ١٠١ مخطوط)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (٤/ ٢٠٤٧)، وساقها الإسماعيلي في «مستخرجه» من نفس هذا الطَّريق، كما في «الفتح» لابن حجر (٧/ ١٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>