للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعاء النَّوم: «اللَّهم أسلَمْتُ نفسي إليك .. » في عِدَّة مَواضع مِن «صحيحِه» كما هو، دون أن يَتصرَّف فيه بالاختصارِ في مَوضعٍ منها. (١)

فأمَّا أن يكون المتنُ مُتضَمِّنًا لما يُمكن أن يَستقِلَّ عن باقيه: فلا حَرَج عند المُحدِّثين في فصلِ الجزءِ المُستقلِّ منه بغرضِ مُناسبةِ الأبواب -مثلًا-، قِياسًا منهم على «السُّورةِ مِن القرآن، تُستَلُّ الآية منها للاستدلال بها في البابِ مِن الأبواب، وكذلك ينبغي أن يكون الحديث، إذا صَحَّ وجودُ معنى الاستقلالِ للجزءِ المَقطوعِ منه» (٢)؛ وعلَّة ذلك: أنَّ المعنى المُحتاج إليه مِن المتنِ إذا أمكنَ تفصيلُه مِن جملةِ الحديثِ دون تَعلُّقٍ بالمحذوف ولا إحالةٍ للمعنى، فإنَّه يقوم بذلك مَقام خَبَرَيْن مُنفصلين (٣).

على هذا جَرى عَملُ كثيرٍ مِن الصَّحابة والتَّابعين في استشهادِهم ببعضِ الحديث دون بعضٍ، وهم لا شكَّ قدوةٌ لنا في ذلك، ونحن نرى كُتبَ الأئمَّةِ ومُصَنَّفاتهم مَشحونةً بأبعاضِ الأحاديثِ، يَذكرون كلَّ بعضٍ منها في بابٍ يَخصُّه، ليَستدلُّوا به على ذلك الباب، لاسِيما إذا كان المعنى المُستنبَط مِن تلك القطعة يَدِقُّ، والحديث طويل، فإنَّ إيرادَه والحالة هذه بتمامِه تقتضي مزيدَ تَعبٍ في استخلاصِه، بخلافِ الاقتصارِ على مَحلِّ الاستشهادِ، ففيه يُسر (٤).

ويدخل في هذا النَّوع ما كان يفعلُه البخاريُّ كثيرًا ومسلم أحيانًا مِن ذكر طَرَف الحديثِ دون باقيه لأغراضٍ مختلفة: كبيانِ المُتابعات، والتَّنبيه على العِلَل واختلاف الرُّواة، ونحو ذلك مِمَّا ليس هو على وجهِ الاستدلال. (٥)


(١) أخرجه البخاري في (ك: الوضوء، باب: فضل من بات على وضوء، برقم: ٢٤٤) وفي (ك: الدعوات، باب: إذا بات طاهرًا، برقم: ٥٩٥٢، وباب: ما يقول إذا نام، برقم: ٥٩٥٤، وباب: النوم على الشق الأيمن، برقم: ٥٩٥٦)، وفي (ك: التوحيد، باب: قول الله تعالى: أنزله بعلمه والملائكة يشهدون، برقم: ٧٠٥٠).
(٢) «تحرير علوم الحديث» لعبد الله الجديع (١/ ٢٨٨).
(٣) «الكفاية» للخطيب البغدادي (ص/١٩٢).
(٤) انظر «مقدمة ابن الصلاح» (ص/٢١٧)، و «إكمال المعلم» لعياض (١/ ٩٤)، و «التقريب والتيسير» للنَّووي (ص/٧٥)، و «فتح المغيث» للسخاوي (٣/ ١٤٢).
(٥) «مشارق الأنوار» للقاضي عياض (٢/ ٣٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>