للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحكامٍ، ليُورد كلَّ قطعةٍ منه في البابِ الَّذي يَستدلُّ به على ذلك الحكمِ الَّذي استنبَط منه، لأنَّه لو ساقَه في المَواضِع كلِّها برُمَّته، لطالَ الكتاب» (١).

والبخاريُّ قد يكتفي بإخراجِ قطعةٍ مِن الحديث دون أن يَسوقها تامَّةً في أيِّ مَوضعٍ آخر، وروايتُه بهذه الصُّورةِ قد نَبَّه مِن أهلِ الحديثِ إلى وقوعها في «صَحيحِه»، بحيث يكون المَحذوف مَوقوفًا على الصَّحابي، وفيه شيء قد يُحكَم برفعِه، فيقتصِرُ البخاريُّ على الجملةِ الَّتي يُحكَم لها بالرَّفع على الغالب، ويحذف الباقي، لأنَّه لا تَعلُّق له بأصلِ موضوعِ كتابِه؛ أو يفعلُ ذلك قليلًا لكونِ الحديثِ مَشهورًا بتمامِه، أو لكونِه لم يُرِد إلَّا الاستشهادَ بتلك اللَّفظة، فيقتصر عليها اختصارًا، وهذا قليل جدًّا (٢).

هذا بعد التَّنزُّل بأنَّ التقطيع للحديث واختصاره حاصلٌ من البخاريِّ نفسِه! وإلَّا فمِن الباحثين المعاصرين مَن يرى خلاف ذلك، ودَلَّل على أنَّ البخاريَّ إنَّما يورد الأحاديث المُسندة كما سمعها من شيوخِه من وجوهٍ عن الواحد منهم، وأنَّ التَّصرُّف في الرِّواية إنَّما هو ممَّن فوقه لا من البخاريِّ، وإنَّما يضع هو كلَّ روايةٍ بصورتها التي تلقَّاها فيما يراه مناسبًا من الأبواب (٣).

الفرع الرَّابع: قِلَّة ما رواه البخاريُّ بالمعنى في «صحيحِه».

مع ما سَبق تقريره من كون الرِّواية بالمعنى لا حَرَج فيها للمتأهِّل عند الحاجة، فإنَّ البخاريِّ أهلٌ لتوفيَةِ شروط ذلك بحقَّها؛ فإنَّه إمام في الحديث، بارعٌ في اللُّغة، فقيهُ النَّفس، شَهِد له بذا أشياخُه والأمَّةُ مِن بعده، لا يَزالون ينهلون مِن كنوزِ دقائقِ المعاني الَّتي أودَعها تراجمَ كتابِه.


(١) «النكت على مقدمة ابن الصلاح» لابن حجر (١/ ٢٨٣).
(٢) انظر «مشارق الأنوار» للقاضي عياض (٢/ ٣٩٧)، و «هدى الساري» لابن حجر (ص/١٦ - ١٧).
(٣) انظر بحثا للدكتور محمد الحَوَري الأردنيِّ بعنوان: رواية الإمام البخاري الحديث مختصرًا- تصرُّف منه أو رواية كما سمع؟ شارك به في المؤتمر الدولي عن صحيح الإمام البخاري، مقاربة تراثيَّة ورؤية معاصرة، بتاريخ ٣/ ١١/٢٠١٩ م بإسطنبول.

<<  <  ج: ص:  >  >>