للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع ذلك فإنَّ ما يرويه البخاريُّ في «صحيحِه» بالمعنى قليلٌ جدًّا! خِلافًا لِما يُهوِّلُ به النَّاقِمون مِن كثرةِ ذلك.

فهذه طُرق الأحاديث الَّتي أخرَجَ البخاريُّ في «صحيحِه» مُتكاثرة خارجَه، فعلى مَن يدَّعي كثرة روايته المتون بالمعنى، أن يُرجِع البَصَر في طُرقِ الحديثِ الواحدِ منها كلِّها، ولينظُر: هل تمايَزَ البخاريُّ بلفظٍ مُغايرٍ لِما عند باقي المُصنِّفين؟ ثمَّ إن رَأَى اختلافًا منه عن سائرِهم، فليُرجِع البَصَرَ كرَّتين بعد ذلك: هل هذا اللَّفظُ المُختلِف مِن تصَرُّف البخاريِّ نفسِه، أو هو مِمَّن فوقَه؟ أو مِمَّن تحتَه مِن النُّساخِ والرُّواةِ عنه؟!

فمَن جدَّ لفِعْلِ ذلك وَجَدَ الفروقَ قليلةً جدًّا، خصوصًا في الأحاديث القصيرة، وهذا شيءٌ نقولُه عن دراسةٍ واستقراءٍ، لا أدَلَّ على ذلك: أنَّا لو جَعلنا المُقارَن برواياتِ البخاريِّ هي روايات «صحيح مسلم»، باعتبارِ ما قرَّرناه سابقًا من كون مُصنِّفِه مُحافِظًا على ألفاظِ الحديثِ، مُتحرِّزًا فيها -بإقرارِ المُعترِضين على البخاريِّ-.

فلو قارَنَّا بين روايةِ البخاريِّ ورواية مسلمٍ للحديث الواحدِ عن الشَّيخِ واحدٍ (١)، سنجد أنَّ المُتَّفقَ عليه بينهما على هذه الصِّفة: واحدٌ وثلاثمائةِ (٣٠١) حديثٍ؛ ما لم يَتطابَق فيه لفظُ المتنِ في هذا العددِ، قد جاء على صُوَرٍ مختلفة زيادةً ونقصًا، تقديمًا وتأخيرًا، وإبدالَ كلمةٍ بكلمةٍ، وضبطَها، ونحو ذلك.

فكان مجموعُ هذا مِمَّا ترجِعُ الفروق بينهما فيه إلى الرِّوايةِ بالمعنى يبلغ ثلاثةً وعشرين (٢٣) حديثًا فقط، وهي نسبة ضئيلةٍ إلى مجموع (٣٠١) حديثًا، أي قُرابة (٧%) فقط (٢).


(١) وقلنا: بشيخ واحد، لأن اختلاف المشايخ بينهما يأتي منه احتمال أن يكون اختلاف ألفاظ ما أخرجاه من حديث مردُّه إلى اختلافهم، فكلُّ حدَّث أحدهما بلفظِه.
(٢) مُستفاد من بحث «الاتفاق والاختلاف في متون ما أخرجه الشيخان من طريق واحد» لـ د. حسن محمد جي، منشور بمجلة جامعة الملك سعود (١٦/ ٢/١٠٤٥ - ١٠٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>