للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع هذا، فإنَّه لا يُستَطاع الجزمُ بأنَّ التَّصرُّفَ في المتنِ في هذه النِّسبةِ الضَّئيلة، هو مِن قِبَلِ البخاريِّ نفسِه، اللَّهم إلَّا في حديثٍ واحدٍ فقط! يغلب على الظَّنِّ أنَّ البخاريَّ تَصرَّف في متنه وهو: ما أخرجه البخاريُّ مِن حديثِ أبي موسى، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَثل الَّذي يَذكر ربَّه، والَّذي لا يَذكر ربَّه، كمَثل الحيِّ والميِّت» (١).

فقد رواه مسلم مِن الطَّريق نفسِه بلفظِ: «مَثل البَيتِ الَّذي يُذكَر الله فيه، والبيتُ الَّذي لا يُذكَر الله فيه، مَثل الحيِّ والميِّت» (٢).

يقول ابن حجر: «انفرادُ البخاريِّ باللَّفظِ المَذكور، دون بقيَّة أصحابِ أبي كريب وأصحابِ أبي أسامة، يُشعِر بأنَّه رواه مِن حفظِه، أو تَجوَّز في روايتِه بالمعنى الَّذي وَقع له، وهو أنَّ الَّذي يُوصف بالحياةِ والموتِ حقيقةً هو السَّاكن لا السَّكَن» (٣).

وعامَّةُ ما أشارَ إليه ابن حجرٍ مِن ذلك هو مِمَّا رواه البخاريُّ مُعَلَّقًا في «صحيحِه».

وأمَّا عمَّا استَدلَّ به (النَّجميُّ) مِن قولِ البخاريِّ: «رُبَّ حديثٍ سمِعتُه بالبَصرة، كتبتُه بالشَّام .. » على أنَّ أحاديث كتابِه مُتصرَّف في لفظِها بالمعنى:

فقد قدَّمنا بأنَّ البُخاريَّ مِمَّن يَرى جوازَ الرِّواية بالمَعنى، ولا حَرجَ عليه في ذلك، مادام هو أهلًا لتحقيقِ شروطِ ذلك؛ لكن ليسَ في مَقولِه ذاك دلالةٌ قَطُّ على أنَّ عامَّة ما رواه كان بالمَعنى! ولا أنَّ ما أودَعه «صحيحَه» هو كذلك؛ كلُّ ما في هذه العبارة، أنَّه كان يَسمعُ الشَّيءَ، ولا يكتبُه حينَها، بحكمِ ظروفِ السَّفَرِ وضيقِ الوقتِ، حتَّى إذا مَرَّ وقتٌ على سَفرِه، ووَجَد مناسبةً له كتَبَه، أو ترجمةً لائقةً وَضَعه فيها.


(١) أخرجه البخاري في (ك: الدعوات، باب: فضل ذكر الله تعالى، برقم: ٦٠٤٤) من طريق محمَّد بن العلاء، عن حمَّاد بن أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي موسى.
(٢) في (ك: الصلاة، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد، رقم: ٧٧٩).
(٣) «فتح الباري» (١١/ ٢١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>