للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تضبطها (١)، فيُمكن أن يُقارَب تعريفها بأن يُقال: «هي ما لا يَبقى معها احتمالٌ، وتسكُن النَّفس عندها، مثل سكونها إلى الخبرِ المُتواتر أو قريبًا منه» (٢).

وممَّا يحقِّق أنَّ خبرَ الواحدَ الواجبَ قَبولُه يُوجبُ العلمَ: قيامُ الحجَّة القويَّة على جواز نسخِه للمَقطوع به، فمَشهورٌ رجوعُ أهل قباء عن القبلة الَّتي كانوا يَعلمونها ضرورةً من دين الرَّسول صلى الله عليه وسلم بخبر واحد، وكذلك إراقةُ الخمر ونحو كذلك، «فإذا قيل: الخبرُ هناك أفادَهم العلم بقرائن احتَفَّت به، قيل: فقد سلَّمتم المسألة، فإنَّ النِّزاع ليس في مُجرَّد خبر الواحد، بل في أنَّه قد يُفيد العلم» (٣).

ومِن أحسنِ ما يُمَثَّل به للدَّلالةِ على مَعقوليَّةِ هذا المذهب: ما مثَّل به الآمديُّ من جِهة الواقع: أنْ لو كان في جوار إنسان امرأته الحامل، وقد انتهت مدَّة حملها، فسمع الطَّلق من وراء الجدار، وضجَّة النِّسوان حول تلك الحامل، ثمَّ سمع صراخ الطِّفل، وخرج نسوةٌ يقلن: إنَّها قد ولدت، فإنَّه لا يستريب في ذلك، ويحصل له العلم به قطعًا، وإنكار ذلك ممَّا يخرج المناظرة إلى المكابرة (٤).

وتفريعًا عن هذا التَّأصيل، نسأل سؤالًا يتَّضح به المُراد، فنقول:

هل يستطيع المسلم المتَّبِع أن يَحلفَ -مثلًا- على حديث: «إنَّما الأعمال بالنِّياتِ» أنَّه قول النَّبي صلى الله عليه وسلم؟ (٥)

فإن قال: نعم؛ فهذا معنى إفادة العلم، لأنَّه إنَّما حَلَف على ما جَزم به.


(١) «إيضاح المحصول» للمازري (ص/٤٣٤).
(٢) «البحر المحيط» للزركشي (٦/ ١٣٨).
(٣) «المسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ص/٢٤٧).
(٤) «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (٢/ ٣٧).
(٥) يقول تقيُّ الدِّين ابن تيميَّة: «قوله صلى الله عليه وسلم «إنَّما الأعمال بالنِّيات» هو ممَّا تلقَّاه أهل العلم بالقَبول والتَّصديق وليس هو في أصله متواترًا، بل هو من غرائبِ الصَّحيح، لكن لمَّا تلقَّوه بالقَبول والتَّصديق صار مقطوعًا بصحَّته، وفي السُّنن أحاديث تلقَّوها بالقَبول والتَّصديق، كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث)، فإنَّ هذا مما تلقَّته الأمَّة بالقَبول والعَمل بموجبِه، وهو في السُّنن ليس في الصَّحيح».

<<  <  ج: ص:  >  >>