للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قال: لا! فهنا انغلقَ عليه فهمُ الأصلِ الَّذي ابتُنيت عليه مَراتب الأخبار.

بيانُ ذلك: أنَّ «الخبرَ لا تأتيه الآفةُ إلَّا من كَذِبِ المُخبر عمدًا أو من جهةِ خطئِه» (١)، فإثبات القطعيَّة أو نفيِها عن الأخبار مداره على احتمال وجود تلك الآفةِ من عدمها، وما دام الرَّاوي غير مَعصوم من هذا كلِّه، تأتي بعض القرائن مَضمومةً إلى خبرِه، فتُزيل هذا الاحتمال مِن الأذهان وتُلغيه.

وما دامَت قرائنُ التَّصحيح مُفيدةً للظنِّ عند التَّجريد في الجُملة، كإتقانِ رُواة الإسنادِ وإمامتِهم في الحديث، الَّذي حاصل في سَلاسل الذَّهب، أو حديثٍ مَشهورٍ ذي طُرق كثيرة مُتباينة، سالمةٍ من أيِّ علَّة: فإنَّ هذه القرينةَ -والحالة هذه- تقوم مَقام خبرٍ آخر؛ ثمَّ لا يزال التَّزايد في الظَّنِّ بزيادة اقترانِ القرائنِ بالخبر، أو قوَّتِها في ذاتِها، إلى أن يحصُل العلم، حتَّى لا يَرِد عليه ما افُترض من احتمال كذب الرَّاوي أو غلطه.

فإذا كانت القرائن وحدَها قد تفيد العلم، فإذا انضمَّ إليها ما صَحَّت نسبتُه بروايةِ العدل الضَّابط عن مثله، فقامت بذلك مَقام الشَّواهد: أفادَت العلمَ مِن باب أولى (٢).

وفي تقريرِ هذا الأصل في تقويةِ القرائن للأخبار، يقول الشَّاطبي: «للاجتماعِ من القوَّة ما ليس للافتراق، ولأجلِه أفاد التَّواتر القطعَ، وهذا نوعٌ منه، فإذا حَصَل من استقراء أدلَّة المسألة مجموعٌ يفيد العلم؛ فهو الدَّليل المَطلوب، وإذا تكاثَرت على النَّاظر الأدلَّة، عضَّد بعضُها بعضًا، فصارت بمَجموعِها مفيدةً للقطع» (٣).


(١) ١) «جواب الاعتراضات المصرية» لابن تيمية (ص/٣٦).
(٢) انظر «خبر الواحد وحجيته» لابن عبد الوهاب الشنقيطي (ص/١٨٣، ٢٠٢)، و «القطعية في الأدلة الأربعة» لمحمد دكوري (ص/٣٣٤).
(٣) «الموافقات» (١/ ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>