للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرق النِّزاع ما صحَّ من الإجماع على تلقِّي جميعِ الطَّوائف الإسلاميَّة لما فيهما بالقَبول، وهذه رُتبة فوقَ رتبةِ التَّصحيح عند جميع أهل العقولِ والمنقولِ، على أنَّهما قد جمعا في كتابيهما مِن أعلا أنواع الصَّحيح ما اقتدى به وبرجاله من تصدَّى بعدهما للتَّصحيح» (١).

الفرع الثَّالث: استثناء ما وقع بينه التَّعارض في أحاديث الصَّحيحين بلا مُرجِّح من إفادة العلم.

فحيث قرَّرنا كونَ الصَّحيحِ من مذاهبِ العلماءِ فيما صحَّ مِن الآحاد أنَّها مفيدةٌ للعلمِ حيث تنضمُّ إليها القرائن، لا بدَّ من التَّنبيه على سلامة هذه الآحاد مِن موانع القطعيَّة، وإلَّا بقيَت في حيِّز الظَّن، بل قد تهوي بها تلك الموانع إلى القطعِ بكذبِها إذا قويت آفات التخطئةِ (٢).

كما قاله أبو العبَّاس المِبرد (ت ٢٥٨ هـ) (٣): «إذا صَحَّت دلائلُ الحقِّ في الظنِّ، وقامت أماراتُه، كان يقينًا، وإذا قامت دلائلُ الشَّك، وبطُلت دلائلُ اليقين، كان كذبًا» (٤).

فاعتبارًا لهذه الشَّروطِ السَّلبية مؤثِّرةً في الحكم على آحاد ما في «الصَّحيحين»، نحى ابن حجرٍ إلى استثناءِ ما «يقع التَّجاذب بين مدلُوليه ممَّا وقع في الكِتابين، حيث لا ترجيحَ، لاستحالةِ أن يُفيد المتناقضان العلمَ بصدقهِما مَن


(١) «تحفة الذاكرين» للشوكاني (ص/٧).
(٢) اختلف الأصوليُّون في اعتبار بعض الموانع دون أخرى في رد الحديث أو ترك العمل به على أقلِ تقدير -بغضِّ النَّظر عن صحَّة اعتبار بعضها في المنعِ من عدمه-، ككونِ الخبر مخالفًا للقياس أو القواعد العامَّة مع عدم فقه راويه عند الحنفية، أو يكون الحديث مخالفًا لعمل أهل المدينة عند المالكية، أو يكون مخالفًا لعمل راويه .. ، إلى غير ذلك من القرائن الَّتي قد تتأثَّر بها الأخبار سلبًا.
انظر تفصيل هذه القرائن المانعة للقطعية في «إشكالية القطع عند الأصوليين» لـ د. أيمن صالح، من «مجلة المسلم المعاصر» (ص/١٩)، العدد ١١٧، ٢٠٠٥ م.
(٣) محمد بن يزيد المِبْرَد: إمام العربية ببغداد في زمنه، وأحد أئمة الأدب والأخبار، مولده بالبصرة ووفاته ببغداد، من كتبه «الكامل في اللغو والأدب»، انظر «الأعلام» للزركلي (٧/ ١٤٤).
(٤) «الأضداد» للأنباري (ص/١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>