للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير ترجيحٍ لأحدِهما على الآخر، وما عَدا ذلك فالإجماعُ حاصلٌ على تسليمِ صحَّتِه» (١).

وأصل استثناءِ العسقلانيِّ للمُتعارضين من أصل إفادة العلم مَبنيٌّ على كونِ التَّعارض لا يقع بين القطعيَّين، إذ القطعُ باعتبارِ ذاتِه لا يَتفاوت، ونفي الاحتمال على الإطلاقِ شيءٌ واحد لا يَتَعدَّد (٢)، إنَّما يقع التَّعارض والتَّفاوتُ في الظَّنِيَّات (٣).

وابن حجر مَسبوق في هذا الاحتراز من الآمديِّ (ت ٦٣١ هـ)، حيث قال:

«لو كان حديث الثِّقة مُفيدًا للعلم بمجرَّده، فلو أخبرَ ثقةٌ آخرَ بضدِّ خبرِه، فإن قلنا: خبرُ كلِّ واحدٍ يكون مُفيدًا للعلم، لزم اجتماعُ العلم بالشَّيء وبنقيضه، وهو مُحال، وإن قلنا: خبرُ أحدِهما يُفيد العلم دون الآخر، فإمَّا أن يكون مُعيَّنا، أو غير مُعيَّن.

فإن كان الأوَّل: فليس أحدُهما أولى مِن الآخر، ضرورةَ تَساويهما في العدالةِ والخبرِ.

وإن لم يَكن مُعيَّنا: فلم يحصُل العلم بخبرٍ واحدٍ منهما على التَّعيين، بل كلُّ واحدٍ منهما إذا جَرَّدنا النَّظرَ إليه، كان خبرُه غير مُفيدٍ للعلم، لجوازِ أن يكون المُفيد للعلمِ هو خبرُ الآخر» (٤).

وحيث أنَّ التَّعارضَ مِن جملة الموانِع من الحكم بقطعيَّة الحديثين، احتاجَ النَّاظر إلى ترجيحِ أحدِهما على الآخر بإحدى المرجِّحاتِ المتعلِّقة بالمتن أو السَّند، هذا إن عجزَ نظرُه عن الجمعِ بينهما (٥)؛ فإمَّا أن يقضيَ بعدهَا بإبطالِ


(١) «نزهة النظر» لابن حجر (ص/٥١ - ٥٢).
(٢) نقل غير واحدٍ من أهل العلمِ اتِّفاقَ العقلاءِ على ذلك، انظر «درء التعارض» لابن تيمية (١/ ٧٩)، و «شرح العضد على مختصر ابن الحاجب» (٢/ ٢٩٨).
(٣) انظر «المنخول» للغزالي (ص/٥٣٤)، و «البحر المحيط» للزركشي (٨/ ١٤٧).
(٤) «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (٢/ ٣٣).
(٥) انظر «البحر المحيط» للزركشي (٨/ ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>