للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِن أهل العلمِ فيما هو مِن عظائم الأمور ومُهمَّاتها، كما الشَّأن في أقوالِ النَّبي صلى الله عليه وسلم وسيرتِه؟!

فلو افترضنا أحدَ المُحدِّثين المُعتبَرين خالَف في صِحَّةِ شيءٍ مِمَّا في «الصِّحيحين»، وكان إنكارُه له حَقًّا، فإنَّه لا بُدَّ أن يبلُغ إنكارُه، تمامًا كما بلغتنا تَعقُّبات الدَّارقطنيِّ والغسانيِّ وغيرهم مِن الحفَّاظِ عليهما -مع تباعُدِ أصقاعِهم- فأخَذْنا منها وتَرَكنا.

فأمَّا أن يخالِف أحدٌ مِن مثل هؤلاء الأعلام في هذا القبول للصَّحيحين، ولا يُنقل إلينا البتَّة كما احتمَله الصَّنعانيُّ: فلم يَلتفت إلى مثلِ هذا الاحتمال أحدٌ من المحقِّقين، إذ كان خلافَ الظَّاهر عند الأصوليِّين، فلا يُؤثِّر في دعوى الاتِّفاق (١).

الجِهة الثَّانية: الاستشهادُ بِما لا يُطابق دعوى الاعتراض.

استشهد الصَّنعانيُّ على إضعافِ حكايةِ التَّلقي للصَّحيحين بالقَبول بمُجمل قولِ أحمد بن حنبل (ت ٢٤١ هـ): «مَن ادَّعى الإجماع فقد كَذب، لعلَّ النَّاس قد اختلفوا» (٢).

وهذا استشهادٌ بِما لا يُطابق دعوى اعتراضِه، فإنَّ مَن يطالع كُتبَ الأصوليِّين مِن الحنابلةِ أنفسِهم، يجدهم يحملونَ قولَ إمامِهم على حالاتٍ خاصَّةٍ، وهُم أعلمُ النَّاس حتمًا بمقصودِ مقالاتِه، دون ما قد يُفهم من إطلاق عبارته.

فهذا أبو يعلى الفرَّاء (ت ٤٥٨ هـ) عمدة الحنابلة في مذهبهم، يقول في توجيه كلامِ أحمد: «ظاهرُ هذا الكلامِ أنَّه قد منَعَ صحَّةَ الإِجماع، وليس ذلك على ظاهرِه، وإنَّما قال هذا على طريقِ الوَرع، نحو أن يكون هناك خلافٌ لم يبلغه،


(١) انظر «شرح الكوكب المنير» (٢/ ٢٥٥)، ولو التُفت إلى مثل هذا الاحتمال لم يصحَّ أن يُستدلَّ بإجماعٍ أبدًا، لأنَّه ما من إجماعٍ إلَّا ويتطرَّق إليه مثل هذا الاحتمال.
(٢) «مسائل الإمام أحمد بن حنبل» برواية ابنه عبد الله (ص/٤٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>