للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو قال هذا في حقِّ مَن ليس له معرفةٌ بخلافِ السَّلفِ؛ لأنَّه قد أطلقَ القولَ بصحَّةِ الإِجماع في رواية عبد الله وأبي الحارث» (١).

ويَنحو ابن تيميَّة منحىً آخر في توجيهِ كلامِ الإمام، حيث جعلَ مُرادَه الأمورَ الخفيَّةِ دون الجليَّة الشَّائعة (٢)؛ وعلى هذا التَّوجيه يكون موضوع «الصَّحيحين» خارجًا من مرام كلامه، كونهما من الأمور الشَّائعة في الأمَّة بلا مواربة.

فأمَّا ابن القيِّم (ت ٧٥١ هـ)، ففضَّل تفسيرَ نصِّ إمامِه باستحضار السِّياقِ الَّذي وَرَد فيه، فارتأى كونَه صدر منه ردَّةَ فعلٍ مبالغةً لِما قد بُلي به أحمد وشيخُه الشَّافعي (٣) وغيرهما مِن طوائف أهلِ الأهواءِ وقتهم في طعنهم بالسُّنَنِ، بدعوى عدمِ مَعرفتِها بمَن ذَهَب إليها (٤)؛ فسمُّوا عدمَ علمِهم هذا إجماعًا! واستشهد على هذا التَّوجيه بقولِ أحمد في ختمِ عبارتِه: « .. هذه دعوى بِشر المرِّيسي والأصمِّ» (٥).

والمقصود بيانُ ضعفِ استدلال الصَّنعاني بكلام أحمد، وعدمِ انطباقِه على دعواه بالتَّمام.

وزُبدة القولِ:

أنَّ تلقِّي جملةَ ما في «الصَّحيحين» بالقَبول عند علماء الحديث ممَّا لا يُمكن جحودُه عند المُنصفين، ولا يُتصَوَّر في أصلِه أيُّ خلاف؛ والصَّنعاني نفسُه لم يُصرِّح بالمخالف في ذلك! ولو حدَث خلافٌ بين العلماءِ المُعتَبرين فيه، وكان له وجه من النَّظر، لاعتُبر ذكرُه، واشتُغل بجوابِه؛ فنحن نعلمُ تحقُّق الإجماعِ على صحَّةِ جمهورِ أحاديثِهما بهذا الاعتبار.


(١) «العُدة» لأبي يعلي الفراء (٤/ ١٠٦٠).
(٢) «نقد مراتب الإجماع» (ص/٣٠٢).
(٣) انظر كتابه «جماع العلم» (ص/٢٩).
(٤) يقول ابن تيمية: «فقهاء المتكلمين كالمريسي والأصم يدَّعون الإجماع ولا يعرفون إلا قول أبي حنيفة ومالك ونحوهما، ولا يعلمون أقوال الصحابة والتابعين»، انظر «المسودة في أصول الفقه» (ص/٣١٦).
(٥) «مختصر الصواعق المرسلة» (ص/٦١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>