إلى أنَّ الحكمَ بنفسِ هذه الدَّرجةِ مِن القطعِ لكلِّ حديثٍ من «الصَّحيحين» على حِدة أمرٌ ظنيٌّ بالنِّسبة لنا، لعلمنا أنه ليس حاصلًا في كلِّ فردٍ من أحاديثهما، فلا نقطع بنفس الدَّرجة لكلِّ حديث منهما بعينه إلَّا ما علِمنا منه ذلك بمُوجباته، وهو الأصل الغالب في أحاديث الكتابين، وهذا لا يتمُّ إلَّا بعد عمليَّة بحثٍ واستقراءٍ لأقوالِ المُتقدِّمين والمتأخِّرين في هذا الحديثِ الفردِ بعينِه.
الفرع الثَّاني: الاعتراض بالاستفسارِ على التَّلقي.
وهو أنَّ ابن الصَّلاح حين لم يحدِّد في عبارتِه مُرادَه مِن لفظ (الأُمَّة) نصًّا، راح بعض المُعترضين علىه يُفرِزون ما تحتمِله هذه اللَّفظة مِن معانٍ، فكرُّوا على كلٍّ منها بالتَّعقُّب، ليردُّوا ما تحصَّل لدى ابن الصَّلاح مِن نتيجة حُكميَّة عن طريقِ توهينِ مقدِّماتِ تلك النَّتيجة.
وهذا المسلك مِن مَسالك الاعتراضِ يُسمَّى في علم الجَدل بـ:«الاستفسارِ على الإجماع»(١)، وصورتُه: أنْ يأتي المُستدلُّ في دليلِه الإجماعيِّ بلفظةٍ غريبةٍ أو مُجملةٍ لا يَفهمها المُعترض، فيعترض على الإجماعِ بعدم وضوحِ بعضِ ألفاظِه، ويطلب تفسيرَها وتميِيزَها.
فكان أن استُعمل هذا الاعتراضُ مِن بعضِ المُعترضين لاستشكال المُرادِ مِن لفظِ (الأمَّة) في عبارة ابن الصَّلاح، ليتوصَّل بذلك إلى نفيِ دخولِ الأمَّة أجمعِها في دائرةِ التَّلقي المُدَّعى.
ترى مثال هذا الاعتراض بالاستفسار في قول ابنِ المُلقِّن (ت ٨٠٤ هـ): «إن
(١) وجمهور أهل الاصطلاح في فنِّ الجَدل يعدُّون الاستفسار من الاعتراضات الصحيحة، بل هو مُقدَّمها، وأُلحِقت بالقوادح في الاستدلال تجوُّزًا لأنها مقدِّمة ومُكمِّلة لها، لأنَّ المرء إذا لم يفهم المعنى، فلا معنى بعد ذلك لإيراد غيره من الاعتراضات، انظر «شرح الكوكب المنير» (٤/ ٢٣١)، و «قوادح الاستدلال بالإجماع» (ص/٧٣).