للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثَّاني:

يظهر جَليًّا مِن عبارةِ الصَّنعاني توسيعُه دائرةَ المجتهدين المَعْنيِّين بالحكمِ على الحديث، لتشملَ عنده غيرَ أربابِ الفنِّ، والقرينة على قصدِه ذلك: استشهادُه على نَفيِ الاتِفاق على «الصَّحيحين» بكِتابين قد اختُصَّا بأحاديثِ الأحكامِ «سُنن أبي داود» و «التَّلخيص الحَبير»، وهذان إن كَفَيا، فيكفيان المُجتهدَ في الفقهيَّات، فألحقَ الفقيهَ بزُمرة من عُنوا بالإجماع وهم المُحدِّثون.

بل نراه يُوسِّع رُقعة الاجتهاد في أحاديث السُّنة، لتشمل أرباب المقالات البِدعيَّة، بدعوى دخولِهم في مُسمَّى الأمَّةَ (١)! وكأنَّه يَرمي إلى ضرورة اعتبارِ خِلاف طائفتِه الزَّيديَّة في أحاديث الأصولِ مِن «الصَّحيحين» (٢)! حتَّى عابَ لأجلِهم قولَ ابن الصَّلاح: «إنَّ الأمَّة تلَّقت ذلك بالقبول، سِوى مَن لا يُعتَدُّ بخلافِه ووِفاقِه» (٣).

فاعترضَ الصَّنعاني عليه بما يراه إلزامًا له بعدمِ تمامِ دعواه، بقوله: « .. ولا يخفى أن مُسمَّى الأمَّة، ودليل العصمة، شاملٌ لكلِّ مجتهدٍ، والقولُ بأنَّه لا يُعتَدُّ بمُجتهدٍ، وإخراجه عن مُسمَّى الأمَّة، لا يقبله ذو تحقيق، وإلَّا لادَّعى مَن شاء ما شاء بغير دليلٍ» (٤).

ولقد وجدنا كَدَر هذه الشُّبهة لائحًا في كتابات بعض المُعاصِرين، كما عند (الكُرديِّ) في قولِه: «دعوى الإجماع باطلةٌ، إذْ الأمَّة المحمديَّة بمختلفِ مَذاهبها الفقهيَّة، ومَدارسها الكلاميَّة لم تُجمع على ذلك، فالمعتزلة والشِّيعة، لا يرون صِحَّة ما في الصَّحيحين، بل أعلُّوها، وقالوا بأنَّ مُعظمَها مختلَق» (٥).


(١) وبهذه الحجة نفسها ردَّ بعض المعاصرين دعوى إجماع الأمة على تلقي الكتابين بالقبول، كإسماعيل الكردي في كتابه «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/٣٣).
(٢) مع أنَّ أئمة الزَّيديَّة أنفسهم من جملة من تلقّى أحاديثهما بالقبول، كما صرَّح به ابن الوزير في «الروض الباسم» (١/ ١٧٤).
(٣) «صيانة صحيح مسلم» لابن الصلَّاح (ص/٨٥).
(٤) «توضيح الأفكار» للصَّنعاني (١/ ١١٦).
(٥) في كتابه «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>