للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والباعثُ للنَّووي إلى أن يَظُنَّ كونَ التَّلقِّي واقعًا على العملِ بمتونِهما دون صدق النِّسبة -في نظري- شُبهتان:

الشُّبهة الأولى: اعتقادُ أنَّ الآحادَ لا تُفيد إلَّا الظَّنَّ مطلقًا، سواء بقرينةٍ أو بدونها، وهذا مذهب جمهورِ المعتزلةِ والخوارج أيضًا (١)، وظَنَّ بعض الأصوليِّين -لنَقصِ استقراءٍ منهم- أنَّه قولُ الأكثرِ (٢)!

يقول النَّووي في تقريرِه هذه الشُّبهة: «هذا الَّذي ذَكَره ابن الصَّلاح في هذه المَواضع، خلاف ما قاله المُحقِّقون والأكثرون، فإنَّهم قالوا أحاديثُ الصَّحيحين الَّتي ليست بمُتواترةٍ إنَّما تُفيد الظَّن، فإنهَّا آحاد، والآحاد إنَّما تفيد الظَّن على ما تقرَّر» (٣).

والشُّبهة الثَّانية: انفكاكُ الجِهة بين الحُكمِ الباطنِ والظَّاهر:

بمعنى أنَّ الحكم الظَّاهر على الإسناد لا يُعلَم به صدقُ الحديث في نفسِه، ولو باتِّفاقِ المُحدثِّين على صِحَّة إسناده، أو توافرَت قرائنُ تُقوِّيه، فلا أثرَ لهذا الاتِّفاقِ على الحكمِ الظَّاهري في إثباتِ العلم الباطنيِّ، ومُستند هذا كلامٌ للباقلَّاني (ت ٤٠٣ هـ) تأتي مُناقشته إن شاء الله.

فأمَّا الشُّبهة الأولى: فعلمنا أنَّها مُستند النَّووي في إنكارِ إفادة ما في «الصَّحيحين» للعلمِ، وهو -كما قال ابن تيميَّة- «قد بَنى هذا على أصلِه الواهي، أنَّ العلمَ بمَخبرِ الأخبار لا يحصُل إلَّا مِن جِهةِ العدد، فلَزِمَه أنْ يقول: ما دون العددِ لا يُفيد أصلًا، وهذا غلطٌ خالفه فيه حُذَّاق أتباعِه» (٤).


(١) انظر «الإحكام» لابن حزم (١/ ١١٩).
(٢) انظر «الإحكام» للآمدي (٢/ ٣٢)، و «تشنيف المسامع» للزركشي (٢/ ٩٦٠).
(٣) «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ٢٠)، وانظر في «التقريب» له (١/ ١٤١ - مع تدريب الراوي).
(٤) «جواب الاعتراضات المصرية» (ص/٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>