للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والردَّ عليه فيها مِن وجوه:

الوجه الأوَّل: أنَّ الأصلَ عند المحدِّثين إذا حكموا على حديثٍ بالصِّحة، أنَّهم لا يُفرِقُّون في ذلك بين الإسنادِ والمتنِ، لأنَّ اقتصارَهم على الإعلانِ بصحَّةِ الإسنادِ، تعني عند السَّامعِ أنَّ كلَّ رَاوٍ أصابَ في نقلِ الخبرِ عمَّن فوقَه، مِن أوَّلِ السَّند إلى آخرِه (١)؛ اللَّهم إلَاّ إنْ وُجِد ما يُشعِر بتقصُّدِ الواحد منهم مجرَّدَ الحكمِ الوَصْفيَّ للسَّندِ، دون الحكمِ حقيقةً على نسبةِ الخبرِ إلى قائله (٢).

فلذلك عِيبَ على الدَّارس للحديثِ أن يُفرِّق بين الأسانيد والمتون في أحكام المُحدِّثين، وأصلُ هذه الشُّبهة تَولَّدَ عند المُعاصرين مِن مُغالطاتِ المُستشرقين في فهم مَناهج المحدِّثين، فارتكبوا نفس الحماقةَ الَّتي لا يَزال المُستشرقون وتلامذَتهم يرتكبونها كلَّما عَرضوا للحديثِ النَّبوي، إذْ يَفصِلون بين السَّندِ والمتنِ مثلما يُفصَل بين خَصمين لا يَلتقيان، أو ضُرَّتين لا تجتمعان!

فمَقاييس المُحدِّثين في السَّند لا تُفصَل عن مَقاييسهم في المتن، إلَّا على سبيل التَّوضيح والتَّبويب والتَّقسيم، وإلَّا فالغالبُ على السَّند الصَّحيح أن ينتهي بالمتن الصَّحيح (٣).

الوجه الثَّاني: أنَّ الحديثَ إذا تَلقَّته أئمَّة الحديثِ بالقَبولِ تصديقًا له وعملًا: كان قرينةً تُلحق الحديثَ بصدقِ النِّسبة، لِما قدَّمناه مِن عصمة الله لهذه الأمَّة أن تجتمع على الخطأ والكذب.

يقول ابن تيميَّة: «هذا هو الَّذي ذَكَره المُصنِّفون في أصولِ الفقه، مِن أصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشَّافعي، وأحمد، إلَّا فرقةً قليلةً من المتأخِّرين


(١) هذا بصرف النَّظر عن ضبط هذا الرَّاوي ووثاقته، ومن هنا تجدهم يصحِّحون حديث بعض الضُّعفاء، وينكرون في المقابل حديث بعض الثِّقات.
(٢) انظر في ذلك «النكت على مقدمة ابن الصلاح» لابن حجر (١/ ٤٧٤).
(٣) انظر تقرير هذا المعنى في «علوم الحديث ومصطلحه» لصبحي الصالح (ص/٢٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>