للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا شُبهة انفكاكِ الجِهة بين الحُكم الباطن والظَّاهر:

فتمامُ الجواب عنها عند الكلام عن الجِهة الثَّانية من جِهات الاعتراض على إفادة التَّلقِّي للعِلم إن شاء الله تعالى.

وأمَّا الجواب الثَّاني على دعوى الأُدفويِّ ومَن تابعه أنَّ التَّلقي للصَّحيحين بالقَبول حاصلٌ لغيرهما من الكتبُ السُّنن .. إلخ:

فهذا صحيح لو كان حاصلًا لأصل «الصَّحيحين» على معنى العمل بما فيها وتداولهما روايةً وتدريسًا، وهو الحاصل لباقي الكتب السِّتة؛ لكن ما أراد العلماء هذا فقط! وإنَّما تلقِّي الأمَّة لأخبار الصَّحيحين تلقٍّ خاصٌّ، هو نتاج سبر ونقد واختبار لصحَّة انطباق شروط الشَّيخين في الصِّحة.

وما كان الأُدفويُّ مِن أحْلاسِ هذا الفنِّ حتَّى يُستشكَل بكلامه على تقريراتِ الأئمَّة! وما فُصِّل جوابُه على النَّووي في الوجهِ السَّابق كافٍ في إسقاطِ كلامِه من أساسِه.

نعم؛ قد ورد عن بعض العلماء وصفَهم لبعضِ كُتب الحديث غيرَ «الصَّحيحين» بأنَّها مُتلقَّاة بالقَبول، كقول الخطابيِّ عن «سُنن أبي داود» (١)، وقول ابن حجر عن «مسند أحمد» (٢)؛ لكن كلام هؤلاء - كما أسلفنا شرحه - هو باعتبارِ تقديرِ الأمَّة لها وتكريمِها والعمل بما فيهما في الجُملة، وأنَّ تلك المُصنَّفات هي المُتلَقَّاة بالقَبول، لا أنَّ مادَّتها هي الصَّحيحة المُتلقَّاة بالقَبول، وإن شئتَ قُلتَ: أكثر ما فيها مَقبولٌ غير مَردود، وإلَّا فنفسُ مُصنِّفيها لم يزعموا لها الصِّحة ولا تقصَّدوها.


(١) «معالم السُّنن» للخطابي (١/ ٦).
(٢) «القول المسدد» لابن حجر (ص/٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>