للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرع الثَّاني: الاعتراض مِن جهة القولِ بمُوجب الإجماع المستدلِّ به، بدعوى عقليَّة وأخرى نقليَّة.

حقيقة هذا الاعتراض على تلقِّي أحاديث «الصَّحيحين» بالقَبول، تكمنُ في أنَّ المُستدِلَّ بالإجماعِ على حكمٍ ما إذا ما وَضَّح ثبوتَ هذا الإجماعِ ووجهَ استدلالِه منه، فإنَّ المُخالِف يعترِضُ عليه بأنَّ دليلَ الإجماعِ لا يُفيد المُستَدَلَّ عليه، ويُبدي مُستَنَده في القولِ بالمُوجِب، مع بقاءِ الخِلافِ بينهما (١).

وهذا «الاعتراضُ بالقولِ بالمُوجِب»، يكون بحملِ الإجماعِ على غيرِ الموضعِ الَّذي حَمَله عليه المُستدِلُّ، بالاستنادِ على دليلٍ عقليٍّ أو نقليٍّ، وقد استُعمِل كِلا الدَّليلين في الرَّدِ على كلامِ ابن الصَّلاح، فنقول:

فأمَّا مستندهم العقليُّ في هذا الاعتراضِ:

فيتلَخَّص في نفيِ قطعيَّةِ مُستندِ الإجماعِ، وذلك بمنع تأثيرِ اتِّفاقِ الظُّنون في جعلِ المَظنونِ مِن المَنقولاتِ قطعيًّا، حيث يدَّعون أنَّ احتمالَ الخطأِ أو الكذبِ في الرِّوايةِ صِفةٌ مُلازمةٌ للمَنقولِ، يستحيل على النَّاظر رفعُها، كونَه أمرًا غيبيًّا لا يقدرون على الجزم به أصلًا، فكيف أن يُتصوَّر إجماعُهم عليه؟! إذْ لو وَجَب القطعُ بانتفائِه عندهم، لبَطُل كونُه ظنًّا، والفرضُ أنَّه ظَنٌّ (٢).

وبهذا أنكر الباقلَّانيُّ (ت ٤٠٣ هـ) أن يكون للإجماعِ على تصحيحِ الخبرِ أثرٌ في إفادتِه للعلم، حيث قال: «فإنَّ الخبرَ الواحدَ إذا لم يُوجب العلمَ، فلا يُتصوَّر اتِّفاقُ الأمَّة على انقطاعِ الاحتمالِ، حيث لا يَنقطع، والإجماعُ إنَّما يُتصوَّر فيما يجوِّزه العقل، وهذا لا يُجوِّزه العقل» (٣).


(١) القول بالمُوجب: أحد القوادح التي يذكرها كثير من الأصوليين عند تناولهم لموضوع الاعتراضات الواردة على الاستدلال بالقياس، حيث اعتبروا القول بالموجب أحد هذه الاعتراضات؛ انظر «البرهان» للجويني (٢/ ٩٧٣)، و «المحصول» للرازي (٥/ ٢٦٩).
(٢) انظر «كشف الأسرار» لعلاء الدين البخاري (٣/ ٢٦٣)،
(٣) «النكت على مقدمة ابن الصلاح» للزركشي (١/ ٢٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>