للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمَّا قيل: «لو رَفَعوا هذا الظَّنَّ، وباحوا بالصَّدق، فماذا تقول؟

قال مُجيبًا: لا يُتَصوَّر هذا، فإنَّهم لا يَتَوصَّلون إلى العلمِ بصدقِه، ولو قطعوا لكانوا مُجازفين، وأهلُ الإجماع لا يَجتمعون على باطلٍ» (١).

وأمَّا المستند النَّقلي للاعتراضِ على الاتِّفاق:

فمُنبنٍ على دعواهم أنَّ النُّصوص دلَّت على عدم عِصمةِ ظنِّ الأمَّةِ أن تتَّفق على خطأ، وذلك أنَّ الشَّرع إنَّما كَفل للأمَّة العِصمة في طلبِها للواجبِ عليها طلبُه، لا العصمةَ في إصابتِها ذاتَ المَطلوبِ! فلا يُوصَف حينئذٍ هذا الخطأ منها بقُبحٍ؛ قياسًا على خطأِ الأنبياءِ في بعضِ الأحوالِ مع اتِّصافهم بالعصمة أيضًا، وما دامَ أنَّ الكلَّ حُجَّة، فالحُكم واحدٌ فيما أُجمِع عليه وفيما صَدَرَ عن الرُّسُل.

ولقد أطالَ ابنُ الوَزير اليَماني (ت ٨٤٠ هـ) (٢) النَّفَسَ في تقريرِ مُخرجاتِ هذا القياس (٣)، يريد به الرَّدَّ على القائلين بأنَّ ما أخرجه الشَّيخان مَقطوعٌ بصِحَّته؛ ذلك أنَّ ابن الصَّلاح لمَّا استدَلَّ بأنَّ ظنَّ مَن هو مَعصومٌ مِن الخطأ لا يُخطئ، والأمَّةَ في إجماعِها معصومةٌ مِن الخطأ؛ ردَّ عليه بتجويزِ خطأ المَعصومِ في ظنِّه! واستدَلَّ على ذلك بوقوعِه مِن الرُّسل عليهم السَّلام مع عصمتِهم، يعني أنَّ الخطأَ يجوز في الإجماع أيضًا إذ لا يُناف العِصمة (٤).


(١) «البرهان في أصول الفقه» للجُويني (١/ ٢٢٣).
(٢) محمد بن إبراهيم بن علي المعروف بابن الوزير اليماني: فقيه نظَّار زيدي، منافح عن السُّنة، من مؤلفاته «العواصم والقواصم»، و «الروض الباسم»، انظر «البدر الطالع» للشوكاني (٢/ ٨١).
(٣) انظر «العواصم والقواصم» لابن الوزير اليماني (٢/ ٣٠٢).
(٤) أصل هذا التقرير قد سُبق فيه من أبي حامد الغزالي، وإن كان كلامه عن اتِّفاق العمل لا عن الاتِّفاق على صحَّة النَّقل، فقد قال في «المستصفى» (ص/١١٣): «فإن قيل: لو قُدِّر الرَّاوي كاذبًا لكان عمل الأمَّة بالباطل، وهو خطأ ولا يجوز ذلك على الأمَّة، قُلنا: الأمَّة ما تُعبِّدوا إلَّا بالعمل بخبر يغلب على الظَّن صدقهم فيه، وقد غلب على ظنِّهم، كالقاضي إذا قضى بشهادة عدلين، فلا يكون مخطئا، وإن كان الشاهد كاذبًا، بل يكون محقًّا، لأنَّه لم يؤمر إلَّا به».

<<  <  ج: ص:  >  >>