للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نجوِّز الخطأَ أو الكذب على الخبر، فهو كتجويزِنا قبل أن نعلم الإجماعَ على العلم الَّذي ثَبت بظاهرٍ أو قياسٍ ظنِّيٍ أن يكون الحقُّ في الباطنِ بخلافِ ما اعتقدناه، فإذا أجمعوا على الحكمِ جَزمنا بأنَّ الحكم ثابت باطنًا وظاهرًا» (١).

فما حَكَمَ به النَّبي صلى الله عليه وسلم وقالَه في شَريعته قولًا وفعلًا وتقريرًا، هو مِن الذِّكرِ الَّذي تَكَفَّلَ الله تعالى بحفظِه، لأنَّه «مُتناول للسُّنةِ، إن لم يكُن بلفظِه فبمعناه؛ لأنَّ المقصودَ مِن حفظِ القرآن، إنَّما هو حفظ ما يُعلَم به أمرُ الله عز وجل ونهيُه، وهذا ثابتٌ للسُّنة» (٢)؛ فلو جازَ على ذلك الغَلطُ أو السَّهوُ أو الكذِبُ مِن الرُّواة، ولم تقُم أمارةٌ على ذلك، ولا ظهرت علَّتُه لجميعِ أهل الحديث: لسَقَطَ حكمُ ضَمانِ الله عز وجل وحِفظِه لهذا الذِّكر، ولَكانَ أوجَبَ الله على النَّاسِ أن يقولوا في شريعته ما هو في نفسِ الأمرِ كذبًا!

وهذا مِن أعظمِ الباطل؛ بل المُحقِّقون يقولون: «متى كان المُحدِّث قد كذَب أو غلط، فلا بدَّ أن ينصِب الله حُجَّة يُبيِّن بها ذلك، كما قال بعضُ السَّلف: لو هَمَّ رجلٌ في السَّحَر أن يكذبَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأصبحَ والنَّاس يقولون: هذا كذَّاب .. » (٣).

والتَّاريخُ خير شاهدٌ! فلقد عُرِف كذِبُ الكاذِبين في حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ووَضعُ الوَضَّاعين فيه، ودُوِّن ما صَحَّت نسبتُه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكُشِف حالُ ما لم تصحَّ نسبتُه إليه، كما دُوِّن مَن يروي عنه ممَّن لا يروي عنه، «حتَّى أصبحَ مِن المستحيل قَبول حديثٍ ليس معروفًا في دواوينِ السُّنة، ولم يبقَ مجالٌ لطعنٍ مَقبولٍ إلَّا بما هو مُدوَّن في كُتبِ علوم الحديثِ والرِّجال؛ اللَّهم إلَّا ما قد يفرِضُه العقل، والعقلُ قد يفرض المُحال!» (٤).


(١) «مجموع الفتاوى» (١٣/ ٣٥١).
(٢) «الحاجة إلى معرفة علم الجرح والتعديل» للمعلمي (١٥/ ٩٩ - آثار المعلمي).
(٣) «جواب الاعتراضات المصرية» (ص/٤٨).
(٤) «خبر الواحد وحجِّيتُه» لأحمد عبد الوهَّاب الشَّنقيطي (ص/٢٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>