للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِن هذا الُمحال: أن يُلصَق بالشَّريعةِ ما ليس منها على وجهٍ لا يُمكن لأهلِ العلمِ نفيُه عنها، ومِن تمامِ ذلك: أن يجعلَ الله عددًا مِن العلماءِ إن أخطأَ الواحدُ منهم في أمرِ حديثٍ، «كان الآخرُ قد أصابَ فيه، حتَّى لا يضيع الحقُّ» (١)؛ فمِن هنا قُلنا بلزومِ نقلِ الحقِّ الَّذي عند المُنكِر للحديثِ ضرورةً، كي تُقام به الحُجَّة، حتَّى لا يُتوَهَّم ما ليس بدليلٍ دليلًا.

ومن هنا أيضًا قلنا: أنَّ الإجماع على خبرٍ لو لم يكُن حكمُه مُطابقًا للحقِّ، لما مُكِّنِت الأُمَّة مِن الاتِّفاق عليه أصلًا، «لأنَّ عادةَ خبرِ الواحدِ الَّذي لم تقُم الحُجَّة به، ألَاّ تجتمع الأمَّة على قَبولِه» (٢).

فهذا الأصل من الحفظ الإلهيِّ هو الباعث لابن الصَّلاح على تركِ قولِه الأوَّل والَّذي عليه النَّووي، والإيمانِ بأنَّ اتِّفاقَ الأمَّة يفيد القطعَ ولو كان ظنيَّ المُستنَد في أصلِه، كما في قوله: « .. ولهذا كان الإجماع المنبني على الاجتهاد حُجَّة مقطوعًا بها، وأكثر إجماعات العلماء كذلك» (٣).

وحاصل هذا الوجه من الجواب: أنَّ ما صَحَّ مِن الأخبارِ وتَلقَّته الأمَّة بالقَبول -كالحاصل لجمهور أحاديث الصَّحيحين- مقطوع بصحَّتِه، لا مِن جِهة كونِه خبرَ واحدٍ، فإنَّه مِن حيث هو كذلك مُحتَمل، لِما ذُكر مِن الكذِب والغلطِ على الرَّاوي.

وإنمَّا وَجَب أن يُقطَع بصحَّتِه لأمرٍ خارجٍ عن هذه الجِهة: وهو أنَّ الشَّريعةَ محفوظةٌ، والمَحفوظُ ما لا يَدخلُ فيه ما ليس منه، ولا يخرج عنه ما هو منه؛ فالعلمُ بصدقِ الخبر المُتلقَّى بالقبول هو مِن هذه الجِهة، فصارَ بهذا كالإجماع، والعِصمة المُحصَّلة مِن هذا الاتِّفاق أَقوى ممَّا يُظَنُّ أنَّه يقينٌ عقليٌّ.


(١) «منهاج السنة» (٣/ ٤٠٨ - ٤٠٩).
(٢) «العُدة» لأبي يعلى الفراء (٣/ ٩٠٠)
(٣) «مقدمة ابن الصلاح» (ص/٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>