للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الجوابُ عن مُستنَدِهم النَّقلي في نفي دلالة التَّلقي للحديث بالقبول على الجزم بصدقه، فمِن وجوه:

الوجه الأول:

اعتقادُ ابن الوزيرِ كفالةَ الشَّارع العِصمة فيما وَجبَ على المعصومِ فعله، لا فيما طَلب مِن الحقِّ (١): غير صَحيح، فإنَّه يُنافي الحِكمة مِن بعثِ الرُّسُل عليهم السَّلام، مع إفضائه إلى تجويز اجتماعِ الأمَّة على خطأٍ، يقول فيه ابن تيميَّة: «يلزم منه أنْ لا يكون قولُ أهلِ الإجماع حُجَّة، بل هو كقولِ الواحدِ مِن المُجتهدين، وليس هذا مذهبَه، وإن لَزِم تناقضُه» (٢).

وما استدَّل به ابن الوزير مِن أمثلةِ ما جازَ أن يُخطئ فيه الأنبياء، ثمَّ قياسه على ذلك أن يُخطِئ الإجماعُ الحقَّ بجامعِ العِصمة فيهما: استدلالٌ منه خارج عن محلِّ النَّزاعِ، كونُ ما مثَّل به واقعًا في ما لم يكفل فيه الشَّارعُ عصمةً لنبيٍ أصلًا؛ بيان ذلك:

أنَّ عِصمة الرُّسل عليهم السَّلام إنَّما كُفلت فيما يخصُّ تحمُّلَهم للدِّين وتبليغه، فلا يجوز أن يستقرَّ في ذلك شيءٌ مِن الخطأ البتَّة (٣)؛ وحيث احتجنا أن نقيسَ عِصمة الإجماعَ على عِصمة الأنبياء، فليكُن في هذا النِّطاقِ من التَّبليغِ والتَّشريع، فما حَكمَت به الأمَّة أنَّه مِن دِين الله تعالى، فهو حُجَّة قطعيَّة لا يجوز المُعارضة فيه، كما أنَّ النَّبي إذا حَكَم على قولٍ أنَّه مِن الله، كان حُجَّة قطعيَّة.


(١) بمعنى أنَّه قد عُصم عمَّا وجب عليه أن يُخلَّ به، ولم يُعصم عن الإخلال بما يطلبُه ويريدُه من الإتيان بالواجب على الوجهِ المطابقِ لما في نفسِ الأمرِ، فإنَّه يُطلبُ الإتيانُ به عليه، لكنَّه لم يُعصم عن أن يخطئه.
(٢) «جواب الاعتراضات المصرية» (ص/٤٥).
(٣) انظر «منهاج السنة» (١/ ٤٧١)، و «النبوات» لابن تيمية (٢/ ٨٧٤).
ويلتحق بهذا النوع من العصمة ما كان تابعًا لها: كالإفتاء، وما كان من لوازمها كحفظِ الله عز وجل لظواهرِ الأنبياء وبواطِنهم مِمَّا تستقبِحه الفِطر السَّليمة قبل النُّبوة، وحفظِهم من الكبائر وصغائر الخِسَّة بعدها، وغير ذلك مِمَّا يدلُّ على دناءة الهِمَّة، ويُنفِّر النَّاس عنهم وعن دعوتِهم، وتوفيقهم للتوبة من الصغائر وعدم إقرارهم عليها، انظر «عصمة الأنبياء بين المسلمين وأهل الكتاب» لأحمد آل عبد اللطيف (ص/٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>