للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِن هنا يظهر خطأ آخر لابن الوزيرِ، حينَ أوجب استيفاء حكم الواحدِ مِن الرُّسلِ بين الخصمين للبيِّنات، وأنَّه «قد عُصم عن مُخالفتِه، فلا يَحكم إلَّا حُكمًا جامعًا لشرائطِ الصِّحة» (١)، دون لزومِ إصابة الحقِّ في نفس الأمر كما ادَّعاه.

ونحن نقول: أنَّ ذاتَ الآلياتِ القضائيَّة لا عصمةَ فيها أيضًا! وقِصَّة قضاءِ داود عليه السلام على مَن تسوَّروا المِحراب، وعِتابُ الله له عدمَ استيفاء السَّماع مِن الطَّرفين لأكبر شاهدٍ على ما نقول.

الوجه الثَّاني:

أنَّ ما طابقَ ما في نفسِ الأمر مِن أفعالِ الرُّسل وأقوالهم أكثرُ مِمَّا خالَف، فإنَّ المُخالفَ أندرُ شيءٍ بالنِّسبة إلى ما طابقَ، وما خالفَ منه جاءَ الوحيُ بتصويبِه، فلا يُقتدَى بما لم يُصادِف الحقَّ (٢)؛ لكن لا سبيلَ لنا إلى العلمِ بأنَّ المَعصومَ قد أخطأَ في نفسِ الأمرِ إلَّا بوحيٍ، وابنُ الوزيرِ قد جَوَّز الخطأَ على المُجمِعين، فكذا لا سبيلَ لنا إلى معرفةِ خطأِ هذا الإجماع لمِا طُلِب إلَّا بدليل الوحي! والوحي قد انقطع؛ فيبقى الأصلُ في الإجماع مُطابقته للشَّرع.

الفرع الثَّالث: الاعتراضُ على دعوى الاتِّفاق بنفيِ تحقُّق لوازِمه.

مِن الأدلَّة الَّتي سَعى بها المُعارضون لنفيِ إفادة أحاديثِ «الصَّحيحين» للعلم، قولهم بانتفاءِ تحقُّقِ بعضِ لوازم هذا القولِ، وأنَّه لو كان صحيحًا، لوُجِدت معه تلك اللَّوازم.

هذه اللَّوازم ثلاثة:

اللَّازم الأوَّل: أنَّه لو حَصَل العلمُ بأخبارِ «الصَّحيحين»، لمَا «وَقَع فيهما أحاديثُ مُتعارضةٌ لا يُمكن الجمعُ بينهما، والقَطعيُّ لا يَقع فيه التَّعارض» (٣).


(١) «إسبال المطر» (ص/٢١٢).
(٢) انظر «الفصل في الملل» لابن حزم (٤/ ٢)، و «الكليات» لأبي البقاء الكفوي (ص/٦٤٥).
(٣) «المقنع في علوم الحديث» لابن الملقن (١/ ٧٧)، وانظر نفس هذا الاعتراض من ابن الوزير: في «إسبال المطر» للصنعاني (ص/٢١١)، وكذا عند ابن عبد الشَّكور في «مسلم الثبوت» (٢/ ١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>