للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللَّازم الثَّاني: أنَّه لو حصَل العلمُ بأخبارِهما، «لَحصل لكافَّةِ النَّاسِ كالمُتواتر» (١).

واللَّازم الثَّالث: أنَّه لو حصَل العلم بأخبارهما، لأوجبنا عِصمةَ صاحِبَيهِما! و «البخاريُ ليس مَعصومًا، وأهلُ العلمِ غلَّطوهما في مَواضع» (٢)؛ ومن هنا ادَّعى (صادق النَّجميُّ) على علماء السُّنةِ أنَّهم يقولون بعصمةِ «الصَّحيحين»! وأنَّهما مُنَزَّهين «مِن أنْ تَنالهما الآراءُ والأفكارُ وإبداء الرَّأي فيهما، وأنَّ البحثَ والتَّحقيقَ فيهما، يكادُ يكون تَوهينًا لهما، وهذا بمثابةِ التَّوهين للقرآن، ولا توبةَ ولا غفرانَ لِمن يقومُ بذلك»! (٣).

فأمَّا الجواب عن اللَّازم الأوَّل:

قد سَبق ذكر احتِرازِ ابن حجَر باستثناء ما تَعارض مِن أحاديثِهما من غير مرجِّح أن يفيد العلم، فلا طائل من إعادة الكلام فيه.

وأمَّا الجواب عن اللَّازمِ الثَّاني، في دعوى أنَّ العلم بتلك الأحاديث لو حصل لكان لكافَّة النَّاس كالمتواتر:

فقد نبَّهنا قريبًا إلى كونِ الحديثِ ظنِّيًا أو قطعيًّا أمرٌ نسبيٌّ لا يعمُّ، إذ ليسَا صفةً مُلازمةً للدَّليل في نفسِه، بل يختلفُ الأمر بحسبِ ما وَصل إلى المُدرِكِ مِن الأدلَّة، وقدرتِه على الاستدلالِ بها؛ والنَّاس يختلفون في هذا وذاك، ومِن ثمَّ فلا يجوزُ نفيُ قطعيَّة الدَّليل عند زيدٍ، لمجرَّدِ أنَّ عمروًا رآه ظنيًّا، كما لا يجوز نفيُ القطعيَّة عن الخبرِ عند المُحدِّثين أهل الاختصاص، لمُجرَّد أنَّ العوامَّ يرونَه ظنِيًّا (٤).


(١) «الوصول إلى علم الأصول» لابن برهان البغدادي (٢/ ١٧٢).
(٢) «الوصول إلى علم الأصول» لابن برهان البغدادي (٢/ ١٧٢).
(٣) «أضواء على الصحيحين» (ص/٨٠).
(٤) انظر تقرير هذا المعنى في «مجموع الفتاوى» (٤/ ٣٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>