للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في السَّماء؟»؛ قال: «وبهذا تظهرُ مُناسبة هذا الحديث للتَّرجمة، لكنَّه جَرى على عادتِه في إدخالِ الحديثِ في البابِ للَفظةٍ تكون في بعضِ طُرقِه، هي المناسبة لذلك الباب، يُشير إليها، ويُريد بذلك شحذَ الأذهانِ، والبَعْثَ على كثرةِ الاستحضارِ» (١).

ومن أنواع الخفيِّ من تراجم البخاريِّ: أنَّه يُترجِم للبابَ على صورةٍ ما، فيُورِد فيها أحاديث مُتعارضةً في ظاهرِها، فينبِّه على وجه التَّوفيق بينهما أحيانًا، وقد يَكتفي بصورةِ المُعارضة، تنبيهًا منه على أنَّ المسألةَ اجتهاديَّة (٢)، فيأتي بتلك الأحاديث على اختلافِها، ليُقرِّب إلى الفقيه مِن بعدِه أمرَها، كما فَعَل في بابِ «خروج النِّساءِ إلى البُرازِ» (٣).

ومن ذلك: أنَّه يذكرُ حديثَ صحابيٍّ ما لا يُناسب التَّرجمة، وهو يُشير بذلك إلى حديثٍ آخرَ لنفسِ هذا الصَّحابي المُناسب لهذه التَّرجمة! وهذا مِن أشدِّ تَشحيذاتِه للأذهانِ، لِتلتفِتَ إلى مُتعلَّقاتِ الحديث وأشباهِه.

يتَّضح هذا بما تَرجَم به بابًا، قال فيه: «باب: طولِ القيامِ في صلاةِ اللَّيل»، أورَدَ في آخره حديثَ حذيفة رضي الله عنه: «أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام للتَّهجدِ مِن اللَّيل، يَشوص فاهُ بالسِّواك».

فقد استشكلَتْ بعضُ الأفهام العلاقة بين طول القيامِ وهذا الحديث في التَّسويك؛ حتَّى أبانَ البدرُ بن جماعة (ت ٧٣٣ هـ) عن وجهِ ذلك بقوله: «أرادَ بهذا الحديث استحضارَ حديثِ حذيفة رضي الله عنه الَّذي أخرجه مسلم: «أنَّه صَلَّى مع النَّبي صلى الله عليه وسلم ليلةً، فقرأ البقرةَ وآل عمران والنِّساء في ركعة، وكان إذا مرَّ بآيةٍ فيها تسبيح سبَّح، أو سؤالٍ سَأل، أو تعوِّذٍ تعوَّذ، ثمَّ ركَع نحوًا ممَّا قام» الحديث،


(١) «فتح الباري» (١٣/ ٤١٨).
(٢) «المتواري» لابن المنير (ص/٧٣).
(٣) «شرح أبواب صحيح البخاري» لولي الله الدهلوي (ص/٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>