للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمَّ أقرَّ بأنَّه استدرَكَ على ما كان قاله آنفًا، بما حُدِّث به مِن هذا الحديثِ مَوصولًا مِن الثِّقاتِ، فقال: « .. فقَوِيَ بذلك هذا الحديث في قلوبِنا، لمَّا اتصَّل لنا إسناده عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كما قد ذَكرنا .. فلم يَسَع عندنا خِلافُ هذا الحديث لمِن بَلَغه، ووَقَف عليه مِن هذه الوجوهِ المَقبولةِ خلافه، ورجعنا في هذه المعاني المَرويَّة فيه إلى ما كان مالِكٌ يقولُه فيها، وعَذَرنا مَن خالَفَها في خلافِه إيَّاها، إنمَّا كان ذلك منه لأنَّها لم تَتَّصل به هذا الاتِّصال، ولو اتَّصَلَت به هذا الاتِّصال، وقامَت عنده كمِثلِ ما قامت عندنا: لمَا خالَفَها، ولرَجَع إليها وقال بها» (١).

الحديث السادس:

أخرج البخاريُّ عن أبي جحيفة قال: قلت لعليٍّ رضي الله عنه: هل عندكم شيءٌ مِن الوَحيِ إلَّا ما في كتابِ الله؟ قال: «لا والَّذي فَلَق الحَبَّة، وبَرَأ النَّسمة، ما أعلمُه إلَّا فهمًا يُعطيه الله رجلًا في القرآن، وما في هذه الصَّحيفة»، قلتُ: وما في الصَّحيفة؟ قال: «العَقل، وفكاكُ الأَسِير، وأنْ لا يُقتَل مسلمٌ بكافرٍ» (٢).

قال (محمَّد الغزاليُّ): «أبو حنيفة يَرى أن مَن قاتَلَنا مِن أفرادِ الكُفَّار قاتلناه، فإنْ قُتل فإلى حيث ألْقَت، أمَّا مَن له ذِمَّة وعهدٌ، فقاتِلُه يُقتَصُّ منه، ومِن ثَمَّ رَفَضَ حديثَ: «لا يُقتَل مسلمٌ في كافر»، مع صِحَّةِ سندِه، لأنَّ المَتن مَعلول بمخالفتِه للنَّصِ القرآنيِّ» (٣).

قلت: لم يَرفُض أبو حنيفة هذا الحديث، ولا أعَلَّ متنَه بمخالفةِ القرآن كما ادَّعى الغَزاليُّ؛ وإنَّما حملَه أبو حنيفة وأصحابُه على السِّياقِ الآخر لحديث عليٍّ رضي الله عنه: « .. لا يُقتَل مؤمنٌ بكافر، ولا ذو عهدٍ في عهدِه» (٤)، فإنَّ هذه الرِّواية


(١) «شرح مشكل الآثار» (١٢/ ١٧ - ١٩).
(٢) أخرجه البخاري في (ك: الديات، باب: لا يقتل مسلم بكافر، رقم: ٦٩١٥).
(٣) «السُّنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/٢٤ - ٢٥).
(٤) أخرجه أبو داود في (ك: الديات، باب: باب أيقاد المسلم بالكافر، رقم:٤٥٣٠)، والنسائي في (ك: القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس، رقم: ٤٧٣٥) بإسناد صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>