للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا بحثت في الأمر وحقَّقت المسألة، وجدتهم يتِّفقون في وقت الضُّحى على إنكارِ وجودِ الشَّمس في السَّماء، لأنَّ أوَّلهم الأعمى أنكرها فتابعوه على ذلك! ثقةً منهم بقولِه، وتقديمًا لتقليدِه على يقينِ حسِّهم، وهكذا تجدُ اتِّفاقهم على تضعيفِ عبد السَّلام بن صالح الهروي (١)، وعلى إبطالِ حديث: «الطَّير»، وحديث: «أنا مدينة العلم» (٢)، وغير هذا ممَّا يطول ذكره، ويصعب تتبُّعه» (٣).

الوقفة الثَّانية: قوله أنَّ سببَ بطلانِ المتنِ راجعٌ إلى دخولِ الوهم على العَدلِ:

نَعم؛ مُسلَّم به أنَّ الثِّقاتِ مهما بَلغوا في قوَّة ضبطِهم، فلا بدَّ لهم مِن هناتٍ في كثير ما يَروُونَه، والمَعصوم مَن عصَمَه الله؛ لكنَّ الغماريَّ أتبعَ كلامَه بما كانَ الواجبَ تَركُه، ادَّعى فيه على مَشهورِ العدالةِ إمكانَ تعمُّدِ الكذِبَ في الحديث!

وهذا لغوٌ لا طائل منه؛ فإنَّ النُّقادَ لم يُنزلوا العَدْلَ مكانتَه إلَّا بعد تَتبُّعٍ لسيرَتِه ونَخلِ مَرويَّاتِه، فإذا اجتمعوا على تعديلِ راوٍ، فهم شُهداء الله في الأرض، والأصل الثَّابت عند العلماءِ لا يُشَغَّب عليه بمثلِ هذه الاحتمالات.

ولا يُستغرب الشَّيء مِن مَعدِنه! فإنَّ الغُماريَّ هو مَن فاه بـ «أنَّ الجرحَ والتَّعديلَ غيرُ مُحقَّقِ النِّسبةِ إلى جميعِ المُوثَّقين والمَجروحِين، فكم مِن ثقةٍ جَرَّحوه! وكم مِن مَجروحٍ وَثَّقوه!» (٤).

وهذا -لا شكَّ- مِن بَقايا تأثُّرِه بالزَّيدية ومُحدِّثِهم محمَّد بنِ عَقيل الحضرَميِّ (٥)؛ فَلَكَم أثنى على كتابِه «العَتَب الجميل» في الطَّعنِ على أهلِ الجرحِ


(١) قال ابن حجر في «التَّقريب»: «صدوق له مناكير، وكان يتشيَّع، وأفرَط العُقيلى فقال: كذَّاب».
(٢) قد سبق الكلام تفصيلًا على هذين الحديثين، في مبحث «موقف الإمامية من الصَّحيحين».
(٣) «المُداوي» للغُماري (٥/ ٣٦٣ - ٣٦٤).
(٤) من كلام الغماري في الجزء الأول من كتابه «جُؤنة العطَّار» (ص/١٦).
(٥) محمد بن عقيل بن عبد الله (ت ١٣٥٠ هـ): مِن آل يحيى، العلويُّ الحَسيني: رحَّالة تاجر، مِن بيت علم زَيديٍّ بحضرموت، كان شديد التَّشيع؛ له كُتب منها: «النَّصائح الكافية»، تحامَل فيه على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ونالَ منه، و «العَتب الجميل على علماء الجرح والتَّعديل»، انظر «الأعلام» للزركلي (٦/ ٢٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>