للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في نفس الأمر، كما قال العلَاّمة أبو عمرو بن الصَّلاح في مقدِّمته، وتبعه الحافظ ابن كثير وغيره» (١).

وفي كلامٍ له آخر أبْيَن في المقصود يقول: «خبر الآحاد يُفيد العلمَ واليقين في كثيرٍ من الأحيان، مِن ذلك: الأحاديث الَّتي تلقَّتها الأمَّة بالقَبول، ومنها ما أخرجه البخاريُّ ومسلم في صحيحَيهِما، ممَّا لم يُنتقَد عليهما، فإنَّه مَقطوع بصِحَّته، والعلمُ اليقينيُّ النَّظري حاصلٌ به .. » (٢).

فليتَ الألبانيَّ أخذَ بهذا التَّأصيل القويم بعينِ الاعتبارِ أثناء تعليلِه لبعضِ أحاديثِ «الصَّحيحين»؛ والَّذي ظَهَر لي في سِرِّ هذا التَّناقض بين ما أصلَّه هنا في هذه المسألة، وبين تَضعيفِه ما ليس له فيه سَلَفٌ مِن المُتقدِّمين من آحاد «الصَّحيحين»:

أنَّ الألبانيَّ متابع لرشيد رضا في تسويتِه بين نوعين مِن النَّقدِ مختلفين في تعليلِ أحاديث «الصَّحيحين»، كان ينبغي التَّفريق بينهما:

بين تضعيفِ كلمةٍ مِن حديثٍ، أو شطرٍ منه، لشذوذٍ ونحو لذلك: فهذا جائزٌ كما قدَّمنا تقريره لمِن تَأهَّل له بشروطه.

وتضعيفِ أصل حديثٍ بأكملِه من غير سلفٍ في ذلك! فهذا الَّذي نمنعُه.

ولعلَّ الألبانيَّ لمَّا رأى بعضَ المُحدِّثين المتأخِّرين مَشوا في نقدِ أحاديث «الصَّحيحين» على النَّوع الأوَّلِ -كابن القطَّان، وابن تيميَّة، وابن حجرٍ- قاسَ على ذلك النَّوع الثَّاني فاستجاز فيه ما استجازَ في الأوَّل!

ظَهر لي هذا التَّأليفُ منه بين هذين النَّوعين المُختلفين في مثالِ جوابِه لمِن سَألَه عمَّن سَبَقه إلى إعلالِ بعضِ أحاديث «البخاريِّ»، حيث قال: « .. في أثناءِ البحثِ العلميِّ، تَمرُّ معي بعضُ الأحاديثِ في «الصَّحيحين» أو في أحدهما، فينكشِفُ لي أنَّ هناك بعضُ الأحاديث الضَّعيفة، لكن مَن كان في ريبٍ ممَّا أحكُم


(١) «النكت على نزهة النظر» لعلي الحلبي (ص/٧٤).
(٢) «الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام» للألباني (ص/٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>