للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنا على بعضِ الأحاديث، فليَعُد إلى «فتحِ الباري»، فسَيَجِدُ هناك أشياءَ كثيرةً وكثيرةً جِدًّا، يَنتقِدُها الحافظ أحمد ابنُ حَجَرٍ العَسقلاني» (١).

وكنَّا قرَّرنا آنفًا أنَّ نقداتِ ابن حجر لبعضِ ما في «الصَّحيحين» هو مِن النَّوع الثَّاني المُتعلِّق بكلمةٍ أو بعضِ كلماتٍ في الحديث، لا أصل الحديث كما فَعَل الألبانيُّ!

وكان الألبانيُّ قد قدَّم لجوابه السَّالف بأن قال للسَّائل: «أمَّا ما يَتَعلَّق بغيري مِمَّا جاء في سؤالِك: وهو هل سَبَقك أحَدٌ؟ فأقول -والحمد لله- سُبِقت من ناسٍ كثيرين، هم أقعد منِّي وأعرفُ منِّي بهذا العلم الشَّريف، وقُدامى جدًّا بنحوِ ألفِ سنةٍ، كالإمام الدَّارقطني وغيره، فقد انتقدوا الصَّحيحين في عشرات الأحاديث، أمَّا أنا فلم يبلغ بي الأمر أن أنتقد عشرة أحاديث .. ».

وهذا أُراه خطأً منهجيًّا في تسويغِ مذهبه هذا؛ فالألبانيُّ وإن سُبق من سلفِ المحدِّثين في أصلِ النَّقد والتَّعليل لأحاديثِ «الصَّحيحين»، لكنَّه لم يُسبَق إلى تعليلِ أفرادٍ منها بعينِها! ومحلُّ النِزاع في هذا لا الأوَّل.

وهذا نفسُ ما وقع فيه (رشيد رضا) قبله، غير أنَّ هذا كان يلِج إلى ذلك من خلالِ طعونه العقليَّة في المتون، والألبانيُّ يلج إلى تعليلها من خلال الصَّنعة الإسناديَّة!

وقد ظهر مِن خلال دراسةِ أحاديث الأقسامِ الثَّلاثة السَّابقة، أنَّ الألبانيَّ قد أصابَ في بعضِ ما أعلَّه مِن أحاديث القسمِ الثَّالث، وأكثرها قد سُبِق إليه مِن الحفَّاظ، لكنَّه غلِطَ في تضعيفِ ما وَهَّنه مِن أحاديث «الصَّحيحين» بأكملِها، صَنعةً وانعدامَ سَلَف.

هذا وهو الألبانيُّ! وقد أمضى ستِّين سنةً مِن عُمره بين أسفارِ الحديثِ نقدًا وتخريجًا وتحقيقًا، فكيف بأقزامِ زمانِنا مِن أصاغر هذا العصر، مِمَّن توجَّهوا إلى «الصَّحيحين» بالطَّعنِ من غير عُدَّةٍ علميَّةٍ ولا سَلفٍ مِن الأُمَّة؟!


(١) «فتاوى الشيخ الألباني» (ص/٥٢٦) جمع عكاشة الطيبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>