أعدل الأحكام فيه ما وُفِّق إليه ابن حبَّان بقولِه:«كان صَدوقًا حافظًا، مِمَّن كان يخطئ في الأخبار، ويَهِم في الآثار، حتَّى لا يُحتجَّ به إذا انفرد»(١).
قلت: روايته هذه لحديث الجارية بالإشارةِ، قد خالفَ فيها ما رَوَاه الثِّقات بصيغة التَّلفظ، فقد انفردَ عنهم في ذلك وهم أوثق منه وأضبط؛ فهي بهذا الاعتبار مِن قَبيل المنكر أو الشَّاذ! ولفظ مسلمٍ:«أين الله؟» هو المَحفوظ الصَّحيح.
فجوابه: نفسُ ما دفعنا به المعارضةَ قبلَه: أنَّ رواية معاوية بن الحكم في «صحيح مسلم»، وباقي الرِّوايات المُدَّعاة معارضتها له خارج «الصَّحيح»، والمنهج الحديثيُّ يقتضي تقديم ما في «الصَّحيح» على ما في غيره عند التَّعارض.
هذا على فرضِ تساويِ جميع الطُّرق في القوَّة.
ودعوى الكوثريِّ إشارةَ البيهقيِّ إلى تركِ مسلمٍ ذكرَ قصَّة الجارية في حديث معاوية بن الحكم، ثمَّ تعليله لهذا التَّركِ منه باختلافِ الرُّواة في لفظِه: ففيه نظر لا يخفى؛ فإنَّ قصَّة الجارية قد ذكرها مسلم ضمنَ حديث معاوية بن الحكم في «صحيحه» حقيقةً، ونُسخ كتابِه شاهدة، ولم يَزَل العلماء يَنسبون القِصَّةَ إلى «صحيح مسلم» مِن قَبلِ عهدِ البيهقيِّ.
والتَّحقيق: أنَّ ما وَقع مِن اختلافٍ مُدَّعًى في بعضِ ألفاظِ هذا الحديث، ليس من الاختلاف المُفضي إلى الاضطرابِ -كما يريده الكوثريُّ- لمِا قام عليه الدَّليل مِن كونِ بعضِ تلك الرِّواياتِ إمَّا حكاية حادثةٍ مُستقِلَّة، أو ضعيفة لا تنتهض للمعارضةِ أصلًا، كما سيأتي تحقيقه.