للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبما أنَّ الحكم في هذا المَقامَ يفتقر إلى دراسةِ الأسانيد ومقارنتِها فيما بينها، ليُطَّرح منها ما لا يَصحُّ أن يُعارَض به، وما صَحَّ يُنظر في سياقِه ودعوى المخالفة فيه؛ ناسب أن يُحقَّق القول في ذلك لتنكشف الغُمَّة عن ضعيف الآلة في تمييز الصِّحاح عن الضِّعاف من الأخبار، فأقول:

أمَّا حديث معاوية بن الحكم الَّذي أخرجه مسلم، فقال في إسنادِه:

«حَدَّثنا أبو جعفر محمَّد بن الصَّباح، وأبو بكر ابن أبي شيبة -وتقاربا في لفظ الحديث- قالا: حدَّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن حجَّاج الصَّواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السُّلمي» به.

قلت: هذا الإسناد مُسلسل بالحُفَّاظِ الأثبات لِمن طالعَ تراجمهم في مظانِّها، قد أُجمِع على وثاقتهم مِن أئمَّة الفنِّ، غير أنَّ يحيى بن أبي كثير فيه -مع جلالتِه في الحديثِ- كثير الإرسال، بل نَعَته النَّسائي بالتَّدليس (١)؛ وهذا الوصف فيه مِمَّا اعتلَّ به الكوثريُّ لتضعيف هذا الخبر (٢)!

وليس يَصفو له هذا الاعتلال، فإنَّ يحيى بن كثير قد صرَّح بالتَّحديث عند أحمد في «مسنده» (٣)؛ وعلى افتراض عدم التَّصريح، فقد توبع يحيى عن شيخِه هلال بن أبي ميمونة مِن اثنين:

١ - مالك بن أنس (٤)؛ وكفى به إمامةً في الدِّين، وغُنيةً في المتابعات.


(١) «تعريف أهل التقديس» لابن حجر (ص/٣٦).
(٢) تعليق الكوثري على «الأسماء والصفات - بتحقيقه» (ص/٣٩٠).
(٣) (٣٩/ ١٨٤، برقم: ٢٣٧٦٧).
(٤) كما في «الموطأ» (ك: العتق والولاء، باب: ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة، رقم: ٨)، إلا أنه قال: «عن عمر بن الحكم» بدل «معاوية بن الحكم»، وقد وهم مالك في اسمه، كما بيَّنه تلميذه الشَّافعي في «الرسالة» (ص/٧٣)، ومثله البزَّار، وغيرهما، كما نقله عنهم ابن عبد البر في «التمهيد» (٢٢/ ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>