للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الحديث قد جاء مِن طريق: يزيد بن هارون، عن المسعودي، عن عون بن عبد الله، عن أخيه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وهذا إسناد رجاله ثقات، والمسعوديُّ وإن كان قد اختلطَ بأخرة (١)، وكان يزيد بن هارون -الرَّاوي عنه- مِمَّن أخذ عنه بعد الاختلاط (٢): فإنَّ هذا توبع عنه مِن عبد الله بن رجاء (٣)، وهو مِمَّن أخذ عن المَسعوديِّ قبل اختلاطِه (٤)؛ غير أنَّه رواه عن المَسعوديِّ بلفظ: «مَن ربُّك؟»، فيُقدَّم على لفظِ يزيد عنه في السُّؤالِ عن الأينِ.

فالحديث بذا «مَحفوظٌ عن المَسعوديِّ» (٥)، مُتردِّدٌ بين الصِّحة والحُسن (٦).

إذا تقرَّر هذا الحكم لهذه الرِّواية: أمكنَ الانفصالُ عن دعوى التَّعارض والاضطراب المزعومِ بينها وبين حديثِ معاوية بن الحكم بالنُّزوعِ إلى اختلاف الواقِعتين من الأساسِ! وهذا ظاهر لمِن تأمَّل سياقيهما:

أ- فإنَّ الرَّجل في حديثِ أبي هريرة: هو مَن جاء بالجارية ابتداءً دون طلب، وكان عتق رقبةٍ عليه واجبة؛ بخلافِ حديث ابن الحكم: حيث لم يَأتِ هو بجاريته إلَّا بعد طلب النَّبي صلى الله عليه وسلم، وكانت رغبته في عتقها نَدبًا منه، تكفيرًا عن صَكِّها.

ب- والجارية في حديث أبي هريرة عَجماء لا تُفصِح، بينما جارية ابن الحكمِ فصيحة اللِّسانِ!


(١) انظر «المختلطين» للعلائي (ص/٧٢)، و «الاغتباط» لابن العجمي (ص/٢٠٥).
(٢) انظر «الجرح والتعديل» (٦/ ٣٨٤ - ٣٨٥)، و «الضعفاء» للعقيلي (٢/ ٣٣٦).
(٣) وهو ثِقة بصريٌّ، وقيل صدوق لا بأس به، انظر «تهذيب التهذيب» لابن حجر (٥/ ٢١٠).
(٤) انظر «الكواكب النيرات» لابن الكيال (ص/٢٩٤).
(٥) كما قال الدَّارقطني في «العلل» له (٩/ ٣٠)، بخلافِ من ضعَّف هذا الحديث مِن المعاصرين كونه من طريق المسعودي برواية يزيد بن هارون عنه، كما تراه عند الألباني في «مختصر العلو» (ص/٨١ - ٨٢)، وتابعه عليه سليم الهلالي في كتابه «أين الله؟ دفاع عن حديث الجارية» (ص/٢٣ فما بعده).
(٦) كما نحا إليه الذَّهبي في «العلو» له (ص/١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>